في "مسنده" بسند صحيح، عن أبي ذرّ - رضي الله عنه -، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أُعطيتُ خواتيم سورة البقرة من كنز تحت العرش، لم يُعطَهنّ نبيّ قبلي"، وأخرج أحمد أيضًا بسند حسن - كما قال الحافظ ابن كثير - عن عُقبة بن عامر الجُهَنيّ، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "اقرأ الآيتين من آخر سورة البقرة، فإني أُعطيتهما من كنز تحت العرش"، إلى غير ذلك من الأحاديث (?).

قال بعض المحقّقين: كأن المراد أنه قَرَّر له إعطاءه إياها، وأنها ستنزل عليه، وإلا فالآيتان مدنيّتان، والله تعالى أعلم.

(وَغُفِرَ) بصيغة الماضي مبنيًّا للمفعول، والنائب عن الفاعل قوله: "المُقْحِماتُ"، وعبّر بالماضي؛ إشارة إلى تحقّق وقوعه، وعند النسائيّ: "ويغفر" بصيغة المضارع، ثم إن الجملة بتقدير حرف مصدريّ نائب فاعل لـ "أُعطي" مقدّرًا بدليل ما قبله، أي: وأعطي أن غُفِر، أي: غفران المقحمات، وحذف الحرف المصدريّ مع رفع الفعل جائز، وواقع في القرآن الكريم، كقوله عز وجل: {وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ} الآية [الروم: 24]، ومنه قولهم: "تَسْمَع بالمعَيديّ خير من أن تراه"، برفع "تسمعُ"، وأما نصبه فشاذّ كما قال ابن مالك رحمه الله في "الخلاصة":

وَشَذَّ حَذْفُ "أَنْ" وَنَصْبٌ فِي سِوَى ... مَا مَرَّ فَاقْبَلْ مِنْهُ مَا عَدْلٌ رَوَى

(لِمَنْ لَمْ يُشْرِكْ بِاللهِ مِنْ أمّتِهِ) - صلى الله عليه وسلم - (شَيْئًا) نكّره إشارة إلى أن الشرك لا يُغفر، قليله ككثيره (الْمُقْحِمَاتُ) بصيغة اسم الفاعل بمعنى الذنوب العظام التي تُقْحِم أصحابها، أي: تدخلهم النار.

قال النوويّ رحمه الله: "الْمُقْحِمَاتُ": - بضم الميم، وإسكان القاف، وكسر الحاء - ومعناه: الذنوب العظام الكبائر التي تُهْلِك أصحابها، وتوردهم النار، وتُقْحِمهم إيّاها، والتَّقَحُّمُ: الوقوع في المهالك، ومعنى الكلام: من مات من هذه الأمّة، غير مُشرِك بالله، غُفِر له المقحمات، والمراد - والله أعلم - بغفرانها أنه لا يُخَلَّد في النار، بخلاف المشركين، وليس المراد أنه لا يُعَذَّب أصلًا،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015