السماء، والثاني إلى الأرض إن ثبت أن ذلك صدر في حياة خديجة، وتكون
النكتة في ذلك أن مريم ماتت، فعُرج بروحها إلى السماء، فلمّا ذَكَرها أشار
إلى السماء، وكانت خديجة إذ ذاك في الحياة، فكانت في الأرض، فلما ذكرها
أشار إلى الأرض، وعلى تقدير أن يكون بعد موت خديجة، فالمراد أنهما خير
من صعِد بروحهنّ إلى السماء، وخير من دُفِن جسدهنّ في الأرض، وتكون
الإشارة عند ذِكر كل واحدة منهما.
قال الحافظ: والذي يظهر لي أن قوله: "خير نسائها" خبر مقدَّم،
والضمير لمريم، فكأنه قال: مريم خير نسائها؛ أي: نساء زمانها، وكذا في
خديجة.
وقد جزم كثير من الشراح أن المراد: نساء زمانها؛ لحديث أبي
موسى - رضي الله عنه - الآتي بعد هذا، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "كَمُل من الرجال كثير،
ولم يكمل من النساء إلا مريم، وآسية"، فقد أثبت في هذا الحديث الكمال
لآسية، كما أثبته لمريم، فامتنع حمل الخيرية في هذا الحديث على الإطلاق.
وقد جاء ما يفسِّر المراد صريحًا، فروى البزار، والطبرانيّ من حديث
عمار بن ياسر - رضي الله عنهما - رفعه: "لقد فُضِّلت خديجة على نساء أمتي، كما فُضِّلت
مريم على نساء العالمين"، وهو حديث حسن الإسناد (?)، والله تعالى أعلم.
مسائل تتعلّق بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): حديث عليّ - رضي الله عنه - هذا متّفقٌ عليه.
(المسألة الثانية): في تخريجه:
أخرجه (المصنّف) هنا [12/ 6251] (2430)، و (البخاريّ) في "الأنبياء"
(3432) و"الفضائل" (3815)، و (الترمذيّ) في "المناقب" (3877)،
و(النسائيّ) في "الكبرى" (5/ 93)، و (عبد الرزّاق) في "مصنّفه" (7/ 492)،
و(أحمد) في "مسنده" (1/ 84 و 132 و 143) وفي "الفضائل" (2/ 847)، (وابن
أبي عاصم) في "الآحاد والمثاني" (5/ 380 و 381)، و (البزّار) في "مسنده"