جَبَل ساتِيدَمَا مُحيطٌ بها، كالكافِ، أَو لأَنَّ سَعْدًا؛ أَي: ابنُ أَبي وقّاصٍ - رضي الله عنه -
لَمّا أَراد أَنْ يبْنِيَ الكُوفَةَ ارْتادَ هذهِ المَنْزِلَةَ للمُسْلِمينَ، قال لهمُ: تَكَوَّفُوا في
هذا المكانِ؛ أَي: اجْتَمِعُوا فيه، أَو لأَنَّه قالَ: كَوِّفُوا هذه الرَّمْلَةَ؛ أَي:
نَحُّوها، وانْزِلُوا. انتهى باختصار (?).
(يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "خَيْرُ نِسَائِهَا مَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ)؛
أي: نساء أهل الدنيا في زمانها، وليس المراد أن مريم خير نسائها؛ لأنه
يصير كقولهم: زيد أفضل إخوانه، وقد صرَّحوا بمنعه، فهو كما لو قيل: فلان
أفضل الدنيا، وقد رواه النسائيّ من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - بلفظ: "أفضل
نساء أهل الجنة"، فعلى هذا فالمعنى: خير نساء أهل الجنة مريم، وفي
رواية: "خير نساء العالمين"، وهو كقوله تعالى: {اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ} [آل عمران: 42] وظاهره أن مريم أفضل من جميع
النساء، وهذا لا يمتنع عند من يقول: إنها نبيّة، وأما من قال: ليست بنبيّة،
فيحمله على عالَمِي زمانها، وبالأول جزم الزجاج، وجماعة، واختاره
القرطبيّ، وَيحْتَمِل أيضًا أن يراد نساء بني إسرائيل، أو نساء تلك الأمة، أو
"مِنْ" فيه مضمرة، والمعنى أنها من جملة النساء الفاضلات، ويدفع ذلك
حديث أبي موسى الأشعريّ - رضي الله عنه - الآتي بعده بصيغة الحصر: أنه لم يكمل من
النساء غيرها، وغير آسية (?).
(وَخَيْرُ نِسَائِهَا)؛ أي: نساء هذه الأمة (خَدِيجَةُ بِنْتُ خُويلِدٍ") قال القاضي
أبو بكر ابن العربيّ: خديجة أفضل نساء الأمة مطلقًا لهذا الحديث، وقد تقدم
في آخر قصة موسى حديث أبي موسى في ذِكر مريم وآسية، وهو يقتضي
فضلهما على غيرهما من النساء، ودل هذا الحديث على أن مريم أفضل من
آسية، وأن خديجة أفضل نساء هذه الأمة، وكأنه لم يتعرض في الحديث الأول
لنساء هذه الأمة حيث قال: "ولم يكمل من النساء"؛ أي: من نساء الأمم
الماضية، إلا إن حملنا الكمال على النبوة فيكون على إطلاقه، وعند النسائي