والوجه الثاني: على تسليم أن صحيح الرواية بغير "من"، فيرتفع
التعارض بأن كل واحد من هؤلاء أحب بالنسبة إلى عالَمِه.
وبيان ذلك: أنه -صلى الله عليه وسلم- ما كان يحب هؤلاء من حيث الصور الظاهرة، فإنَّ
أسامة كان أسود أفطس؛ وإنَّما كان يحبهم من حيث المعاني، والخصائص التي
كانوا موصوفين بها.
فكان أبو بكر -رضي الله عنه- أحب إليه من حيث إنه كان له من أهلية النيابة عنه،
والخلافة في أمته ما لم يكن لغيره.
وكانت عائشة -رضي الله عنها- أحب النساء إليه من حيث إن لها من العلم والفضيلة
ما استَحَقّت به أن تَفْضُل على سائر النساء، كما فَضَل الثريد على سائر الطعام.
وكان أسامة -رضي الله عنه- أيضًا أحب إليه من حيث إنه كان قد خُص بفضائل
ومناقب استَحَقّ بها أن يكون أحب الموالي إليه، فإنَّه أفضلهم وأجلّهم، ولذلك
قال -صلى الله عليه وسلم-: "فأوصيكم به خيرًا، فإنَّه من صالحيكم"، فأكد الوصية به، ونبَّه على
الموجب لذلك، وهو ما يعلمه من صلاحه وفضله، وقد ظهر ذلك عليه، فإنَّه
لم يدخل في شيء من الفتن، فسلَّمه الله تعالى من تلك المحن، إلى أن توفي
في خلافة معاوية سنة سبع وخمسين، وقيل: سنة أربع وخمسين -رضي الله عنه-. انتهى
كلام القرطبيّ رحمه اللهُ (?)، وهو تحقيقٌ نفيسٌ، والله تعالى أعلم.
مسائل تتعلّق بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): حديث عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- هذا متّفقٌ عليه.
(المسألة الثانية): في تخريجه:
أخرجه (المصنّف) هنا [10/ 6244 و 6245] (2426)، و (البخاريّ) في
"فضائل الصحابة" (3730) و"المغازي" (4250 و 4468 و 4469) و"الأحكام"
(7187)، و (الترمذيّ) في "المناقب" (3816)، و (النسائيّ) في "الكبرى" (5/
52 و 53) وفي "فضائل الصحابة" (1/ 24)، و (أحمد) في "مسنده" (2/ 20
و89 و 106 - 107) وفي "فضائل الصحابة" (2/ 834)، و (ابن سعد) في