تقديرها عند البصريين: إنك قتلت مسلمًا، وعند الكوفيين: ما قتلت إلا
مسلمًا.
وهذا من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خبر عن محبته لزيد -رضي الله عنه-، ثمَّ أخبر عن محبته
لأسامة، فقال: "وإن هذا لمن أحب الناس إلي بعده"، فكان أسامة الحبَّ ابنَ
الحبِّ، وبذلك كان يُدعى، ورضي الله عن عمر بن الخطاب لقد قام بالحقّ،
وعرفَه لأهله، وذلك: أنَّه فرض لأسامةَ في العطاء خمسة آلاف، ولابنه عبد الله
ألفين، فقال له عبد الله: فَضَّلت عليَّ أسامة، وقد شَهِدْتُ ما لم يَشْهد؟ !
فقال -رضي الله عنه-: إن أسامة كان أحبّ إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- منك، وأبوه كان أحب إلى
رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من أبيك، ففضَّل محبوب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على محبوبه، وهكذا
يجب أن يحب ما أحب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ويبغض ما أبغض، وقد قابل مروان
هذا الحبّ الواجب بنقيضه، وذلك أنَّه مرَّ بأسامة بن زيد وهو يصلي عند باب
بيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال له مروان: إنَّما أردتَّ أن يُرى مكانُك، فقد رأينا
مكانك، فعل الله بك، وفعل -قولًا قبيحًا- فقال له أسامة: إنَّك آذيتني، وإنَّك
فاحش متفحش، وقد سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إن الله يبغض الفاحش
المتفحش" (?)، فانظر ما بين الفعلين، وقِسْ ما بين الرَّجلين، فلقد آذى بنو أمية
رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في أحبابه، وناقضوه في مَحابِّه.
[تنبيه]: رَوَى موسى بن عقبة عن سالم، عن ابن عمر -رضي الله عنهما-: أن
رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "أحبُّ الناس إليَّ أسامة"، فما حاشا فاطمة ولا غيرها،
وهذا يعارضه ما تقدَّم من قوله -صلى الله عليه وسلم-: إن أحبَّ الناس إليه عائشة، ومن الرِّجال
أبوها؛ ويرتفع التعارض من وجهين:
أحدهما: أن الأحاديث الصحيحة المشهورة إنما جاءت في حبِّه لأسامة
بـ"من" التي للتبعيض، كما قد نصَّ عليه بقوله -صلى الله عليه وسلم-: "إنه لمن أحب الناس
إلي"، وقد رواه هشام بن عروة، عن أبيه: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن أسامة بن
زيد أحب الناس إليَّ"، أو "من أحب الناس إليّ"، فعلى هذا يَحْتَمِل أن يكون
النبيّ -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن من أحب الناس إليّ أسامة"، فأسقطها بعض الرواة.