سيما على مذهب أهل السُّنَّة في أن الجنة والنار قد خُلقتا، وهما موجودتان

الآن، فيرجع إلى أن الله تعالى خَلَق لنبيه - صلى الله عليه وسلم - إدراكاً خاصّاً به، أدرك به الجنة

والنار على حقيقتهما، ومنهم من تأول الرؤية هنا بالعلم، وقد أَبعد؛ لعدم

المانع من الأخذ بالحقيقة، والعدول عن الأصل من غير ضرورة. انتهى (?).

وقال المناويّ -رَحِمَهُ اللهُ-: قوله: "عُرِضت علي الجنة والنار"؛ أي: نُصبتا،

ومُثِّلتا إليّ كما تنطبع الصورة في المرآة.

وقوله: "آنفاً" بالمدّ، والنصب على الظرفية؛ أي: قريباً، وقيل: أوّلَ

وقت كُنّا فيه، وقيل: الساعةَ، وقال أبو البقاء: تقديره: زماناً آنفاً؛ أي: قريباً

من وقتنا، حُذِف الموصوف، وأقيمت الصفة مقامه، زاد في رواية: "وأنا

أصلّي"، وقد تجلى له الكون كله، وزُويت له الأرض بأسرها، فأُري مشارقها

ومغاربها، وكلّ ذلك عند اندراج المسافات في حقّه.

وقوله: "في عُرْض هذا الحائط" بضم العين المهملة: جانبه، أو وسطه.

وقوله: "فلم أر": فلم أبصر، "كاليوم" صفة محذوف؛ أي: يوماً كهذا

اليوم، وأراد باليوِم: الوقت الذي هو فيه، أو المعنى: لم أر منظراً مثل منظر

رأيته اليوم، فحَذف المرديّ، وأَدْخَل التشبيه على اليوم لبشاعة ما رأى فيه،

وبُعْده عن النظر المألوف، وقيل: الكاف اسم، والتقدير: ما رأيت مثل منظر

هذا اليوم منظراً في الخير والشرّ؛ أي: ما أبصرت مثل الخير الذي رأيته في

الجنة، والشر الذي رأيته في النار، فبالغوا في طلب الجنة، والهرب من النار.

وقوله: "ولو تعلمون ما أعلم" من شدة عقاب الله، وقوّة سطوته بأهل

المعاصي، لضحكتم قليلاً؛ أي: لتركتم الضحك في غالب الأحيان، وأكثر

الأزمان، ولبكيتم كثيراً لغلبة سلطان الوجل على قلوبكم.

ولا يَرِد على ما تقرّر أوّلاً أن الانطباع إنما هو في الأجسام الصقيلة، ما

ذاك إلا أنه شرط عاديّ، فيجوز أن تنخرق العادة، وفيه أن الجنة والنار

مخلوقتان الآن، ونُصْحُ المصطفى - صلى الله عليه وسلم - لأمته، وتعليمهم ما ينفعهم، وتحذيرهم

مما يضرّهم، وتعذيب أهل الوعيد على المعاصي.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015