(فَقَالَ: مَنْ أَبِي يَا رَسُولَ اللهِ؟ ) إنما سأله عن ذلك؟ لأنه كان يُنسب إلى
غير أبيه إذا لاحى أحداً، فنسبه - صلى الله عليه وسلم - إلى أبيه، فـ (قَالَ: "أَبُوكَ حُذَافَةُ") إنما
عرف - صلى الله عليه وسلم - ذلك بالوحي، وهذا هو الظاهر، وقال في "العمدة": إما بالوحي،
وهو الظاهر، أو بحكم الفراسة، أو بالقياس، أو بالاستلحاق. انتهى (?).
قال الجامع عفا الله عنه: قوله: "أو بحكم الفراسة ... إلخ" لا يخفى ما
فيه، والأول هو الحقّ، والله تعالى أعلم.
(فَلَمَّا أَكْثَرَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ أَنْ يَقُولَ: "سَلُونِي") قال العلماء: هذا
القول منه - صلى الله عليه وسلم - محمول على أنه أوحي إليه، وإلا فلا يَعلم كل ما سئل عنه من
المغيَّبات إلا بإعلام الله تعالى، قال القاضي عياض: وظاهر الحديث أن
قوله - صلى الله عليه وسلم -: "سلوني" إنما كان غضباً، كما قال في الرواية الأخرى: "سئل
النبيّ - صلى الله عليه وسلم - عن أشياء كرهها، فلما أُكثر عليه غَضِبَ، ثم قال للناس: سلوني"،
وكان اختياره - صلى الله عليه وسلم - ترك تلك المسائل، لكن وافقهم في جوابها؛ لأنه لا يمكن
ردّ السؤال، ولمَا رآه من حرصهم عليها، والله أعلم.
(بَرَكَ عُمَرُ) بفتح الموحّدة، وتخفيف الراء من "بَرَك"، من البروك؛ أي:
جَثَى على ركبتيه، كبروك البعير، يقال: برك البعير: إذا استناخ، واستُعمل في
الآدميّ مجازاً (?). (فَقَالَ: رَضِينَا بِاللهِ رَبّاً، وَبِالإِسْلَامِ دِيناً، وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولاً) قال
النوويّ -رَحِمَهُ اللهُ-: وأما بروك عمر - رضي الله عنه -، وقوله، فإنما فعله أدباً وإكراماً
لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وشفقةً على المسلمين؛ لئلا يؤذوا النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، فيهلكوا، ومعنى
كلامه: رضينا بما عندنا من كتاب الله تعالى، وسُنَّة نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم -، واكتفينا به
عن السؤال، ففيه أبلغ كفاية. انتهى (?).
(قَالَ) أنس (فَسَكَتَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ قَالَ عُمَرُ ذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ
رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَوْلَى) قال النوويّ -رَحِمَهُ اللهُ-: قوله: "أولى" تهديد، ووعيد، وقيل:
كلمة تَلَهّف، فعلى هذا يستعملها مَن نجا من أمر عظيم، والصحيح المشهور