الْمُسَنّاة، وهو: ما وُضع بين شَرَبَات النخل؛ كالجدار. وقيل: المراد:
الحواجز التي تَحْبِس الماء، وجزم به السهيلي. وُيروَى "الْجُدُر" بضم الدال،
حكاه أبو موسي، وهو جَمْع جِدار. وقال ابن التين: ضُبِط في أكثر الروايات
بفتح الدال، وفي بعضها بالسكون، وهو الذي في اللغة، وهو أصل الحائط.
وقال القرطبي: لَمْ يقع في الرواية إلَّا بالسكون، والمعنى: أن يصل الماء إلى
أصول النخل. قال: وُيروَى - بكسر الجيم -: وهو الجدار، والمراد به:
جُدران الشَّرَبَات التي في أصول النخل، فإنها تُرفَعُ، حتى تصير تُشْبه الجدار.
و"الشَّرَبَات" - بمعجمة، وفتحات: هي الْحُفَرُ التي تُحفَر في أصول
النخل. وحكى الخطابي: "الجذر" بسكون الذال المعجمة، وهو جذر
الحساب، والمعنى: حتى يبلغ تمام الشرب.
قال الكرماني: المراد بقوله: "أمسك"؛ أي: أمسك نفسك عن السقي،
ولو كان المراد: أمسك الماء، لقال بعد ذلك: أرسل الماء إلى جارك.
وتُعُقِّب بأنه ثبت التصريح به في هذه الرواية، حيث قال: "احبس الماء"،
وفي رواية معمر عند البخاريّ في "التفسير" قال: "ثم أرسل الماء إلى جارك".
والحاصل: أن أمْره بإرسال الماء كان قبل اعتراض الأنصاري، وأمْره
بحبسه كان بعد ذلك.
وقال في "المفهم": والمخاصمة: إنما كانت في السقي بالماء الذي يَسيل
فيها، وكان الزبير يتقدّم شَرْبُهُ على شَرْب الأنصاريّ، فكان الزبير يُمسك الماء
لحاجته، فطلب الأنصاريّ أن يُسرّحه له قبل استيفاء حاجته، فلما ترافعا إلى
النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سلك النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - معهما مسلك الصلح، فقال له: "اسق يا زبير، ثم
أرسل الماء إلى جارك"، أي: تساهل في سقيك، وعَجّلْ في إرسال الماء إلى
جارك، يَحُضُّه على المسامحة والتيسير، فلمّا سمع الأنصاريّ بهذا لَمْ يَرْضَ
بذلك، وغَضِبَ؛ لأنه كان يُريد أن لا يُمسك الماء أصلًا، وعند ذلك نَطَق
بالكلمة الجائرة المهلِكة الفاقرة، فقال: آن كان ابن عمّتك؟ بمدّ همزة "أن"
المفتوحة؛ لأنه استفهام على جهة الإنكار، أي: أتحكم له عليّ؛ لأجل أنه من
قرابتك؟ وعند ذلك تلوّن وجه رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غضبًا، وتألّمًا من كلمته، ثم إنه
بعد ذلك حَكَم للزبير باستيفاء حقّه، فقال: "اسق يا زبير، ثم أمسك الماء حتى