وفي رواية يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة المتقدّمة في "الصلاة":
فتهدّده أصحاب رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وظاهرها يُشعر بأنهم حضروا القصّة، وأنه إنما
رجع عما كان عزم عليه بالتهديد، وليس كذلك، يردّه قوله في هذه الرواية بعد
قوله: "قلت: الله، فشام السيف"، وكأن الأعرابيّ لمّا شاهد ذلك الثبات
العظيم منه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "، وعَرَف أنه حيل بينه وبينه تحقق صِدْقه، وعَلِم أنه لا يصل
إليه، فالقى السلاح، وأمكن من نفسه.
ووقع في رواية ابن إسحاق بعد قوله: "قال: الله": "فدفع جبريل في
صدره، فوقع السيف من يده، فأخذه النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وقال: من يمنعك أنت مني؟
قال: لا أحد، قال: قُمْ، فاذهب لشأنك، فلما وَلَّى قال: أنت خير مني".
وأما قوله في هذه الرواية: "فها هو جالسٌ، ثم لَمْ يعاقبه" فيُجمع مع
رواية ابن إسحاق بأن قوله: "فاذهب" كان بعد أن أخبر الصحابة بقصته، فمَنّ
عليه، لشدّة رغبة النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في استئلاف الكفار، ليدخلوا في الإسلام.
(ثُمَّ لَمْ يَعْرِضْ) بكسر الراء، من باب ضرب، (لَهُ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -)، أي:
لَمْ يتعرّض له بالمعاقبة، بل عفا عنه، ولم يؤاخذه بما صنع، وفي رواية
البخاريّ: "فها هو ذا جالس، ثم لَمْ يعاقبه رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ".
وقد ذكر الواقديّ في نحو هذه القصة أنه أسلم، وأنه رجع إلى قومه،
فاهتدى به خلق كثير، ووقع في رواية ابن إسحاق: "ثم أسلم بعدُ" (?)، والله
تعالى أعلم.
قال في "الفتح": وفي الحديث فرط شجاعة النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وقوة يقينه،
وصبره على الأذي، وحِلْمه عن الجهال، وفيه جواز تفرق العسكر في النزول،
ونومهم، وهذا محله إذا لَمْ يكن هناك ما يخافون منه. انتهى (?).
وقال النوويّ - رَحِمَهُ اللهُ - ءإلىة: في الحديث بيان توكل النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على الله،
وعصمة الله تعالى له من الناس، كما قال الله تعالى: "و {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ
مِنَ النَّاسِ}، وفيه جواز الاستظلال بأشجار البوادي، وتعليق السلاح وغيره فيها،