قال: لقيت أكثر من ألف رجل، من العلماء بالأمصار، فما رأيت أحدًا منهم، يختلف في أن الإيمان قول وعمل، ويزيد وينقص، وأطنب ابن أبي حاتم واللالكائي في نقل ذلك بالأسانيد، عن جمع كثير من الصحابة والتابعين، وكلّ من يدور عليه الإجماع من الصحابة والتابعين، وحكاه فضيل بن عياض، ووكيع عن أهل السنّة والجماعة. وقال الحاكم في "مناقب الشافعي": حدثنا أبو العباس الأصم، أخبرنا الربيع، قال: سمعت الشافعي يقول: الإيمان قول وعمل، يزيد وينقص، أخرجه أبو نعيم في ترجمة الشافعي من "الحلية" من وجه آخر" عن الربيع، وزاد: يزيد بالطاعة، وينقص بالمعصية، ثم تلا: {وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا} الآية [المدثّر: 31]. انتهى "فتح" 1/ 68 - 69.
وقال في "الفتح" أيضًا في موضع آخر: قد نقل أبو عوانة الإسفراييني في "صحيحه" عن المزني، صاحب الشافعي، الجزم بأنهما - أي الإيمان والإسلام - عبارة عن معنى واحد، وأنه سمع ذلك منه، وعن الإمام أحمد الجزم بتغايرهما، ولكل من القولين أدلة متعارضة.
وقال الخطابي: صنف في المسألة إمامان كبيران، وأكثرا من الأدلة للقولين، وتباينا في ذلك، والحق أن بينهما عمومًا وخصوصًا، فكل مؤمن مسلم، وليس كل مسلم مؤمنًا. انتهى كلامه ملخصًا.
ومقتضاه أن الإسلام لا يُطلق على الاعتقاد والعمل معًا، بخلاف الإيمان، فإنه يطلق عليهما معًا، ويَرُدّ عليه قوله تعالى: {وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة: 3]، فإن الإسلام هنا يتناول العمل والاعتقاد معًا؛ لأن العامِل غير المعتقد، ليس بذي دين مرضيّ، وبهذا استدل المزني، وأبو محمد البغوي، فقال في الكلام على حديث جبريل هذا: جعل النبي - صلى الله عليه وسلم - الإسلام هنا اسمًا لما ظهر من الأعمال، والإيمان اسمًا لما بطن من الاعتقاد، وليس ذاك لأن الأعمال ليست من الإيمان، ولا لأن التصديق ليس من الإسلام، بل ذاك تفصيل لجملةٍ كُلُّها شيء واحد، وجِمَاعُها الدين، ولهذا قال - صلى الله عليه وسلم -: "أتاكم يعلمكم دينكم"، وقال سبحانه وتعالى: {وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة: 3]، وقال: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} [آل عمران: 85]، ولا يكون الدين في محل الرضا والقبول، إلا بانضمام التصديق. انتهى كلامه.