قال الحافظ: والذي يظهر من مجموع الأدلة، أن لكل منهما حقيقة شرعية، كما أن لكل منهما حقيقة لغوية، لكن كل منهما مستلزم للآخر، بمعنى التكميل له، فكما أن العامل لا يكون مسلمًا كاملًا، إلا إذا اعتقد (?)، فكذلك المعتقد لا يكون مؤمنًا كاملًا، إلا إذا عمل، وحيث يطلق الإيمان في موضع الإسلام، أو العكس، أو يطلق أحدهما على إرادتهما معًا، فهو على سبيل المجاز. ويتبين المراد بالسياق، فإن وردا معًا في مقام السؤال، حُمِلا على الحقيقة، وإن لم يردا معًا، أو لم يكونا في مقام سؤال، أمكن الحمل على الحقيقة أو المجاز بحسب ما يظهر من القرائن، وقد حكى ذلك الإسماعيلي عن أهل السنّة والجماعة، قالوا: إنهما تختلف دلالتهما بالاقتران، فإن أُفْرِدَ أحدهما دخل الآخر فيه، وعلى ذلك يُحمَل ما حكاه محمد بن نصر، وتبعه ابن عبد البر عن الأكثر، أنهم سووا بينهما، على ما في حديث عبد القيس، وما حكاه اللالكائي، وابن السمعانيّ عن أهل السنّة، أنهم فرقوا بينهما على ما في حديث جبريل. والله تعالى وليّ التوفيق. انتهى "فتح" 1/ 157 - 158 بتصرّف يسير.
وقال الإمام النوويّ رحمه الله تعالى: في "شرحه" لهذا الكتاب: أهم ما يُذكر في الباب اختلاف العلماء في الإيمان والإسلام، وعمومهما وخصوصهما، وأن الإيمان يزيد وينقص، أم لا؟ وأن الأعمال من الإيمان أم لا، وقد أكثر العلماء رحمهم الله تعالى من المتقدمين والمتأخرين، القول في كل ما ذكرناه، وأنا أقتصر على نقل أطراف، من متفرقات كلامهم، يحصل منها مقصود ما ذكرته، مع زيادات كثيرة.
قال الإمام أبو سليمان حمد بن محمد بن إبراهيم الخطابي البستي الفقيه الأديب الشافعي المحقق رحمه الله في كتابه "معالم السنن": ما أكثر ما يَغلَط الناس في هذه المسألة، فأما الزهري، فقال: الإسلام الكلمة، والإيمان العمل، واحتج بالآية يعني قوله سبحانه وتعالى: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ} الآية [الحجرات: 14]. وذهب غيره إلى أن الإسلام والإيمان شيء واحد، واحتج بقوله تعالى: {فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (35) فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا