بالنظر إلى ما عند الله تعالى، فالسلف قالوا: هو اعتقاد بالقلب، ونطق باللسان، وعمل بالأركان، وأرادوا بذلك أن الأعمال شرط في كماله (?)، ومن هنا نشأ لهم القول بالزيادة والنقص، كما سيأتي. والمرجئة قالوا: هو اعتقاد، ونطق فقط، والكرّاميّة قالوا: هو نطق فقط، والمعتزلة قالوا: هو العمل والنطق والاعتقاد، والفارق بينهم وبين السلف أنهم جعلوا الأعمال شرطًا في صحته، والسلف جعلوها شرطًا في كماله، وهذا كله كما قلنا بالنظر إلى ما عند الله تعالى.
أما بالنظر إلى ما عندنا، فالإيمان هو الإقرار فقط، فمن أقرّ أُجريت عليه الأحكام في الدنيا، ولم يحكم عليه بكفر، إلا إن اقترن به فعلٌ يدل على كفره، كالسجود للصنم، فإن كان الفعل لا يدل على الكفر، كالفسق، فمن أطلق عليه الإيمان، فبالنظر إلى إقراره، ومن نَفَى عنه الإيمان، فبالنظر إلى كماله، ومن أطلق عليه الكفر، فبالنظر إلى أنه فَعَل فعل الكافر، ومن نَفَى عنه، فبالنظر إلى حقيقته، وأثبتت المعتزلة الواسطة، فقالوا: الفاسق لا مؤمن، ولا كافر.
[وأما المقام الثاني]: فذهب السلف إلى أن الإيمان يزيد وينقص، وأنكر ذلك أكثر المتكلمين، وقالوا: متى قَبِل ذلك كان شكًّا، قال الشيخ محيي الدين: والأظهر المختار، أن التصديق يزيد وينقص بكثرة النظر، ووضوح الأدلة، ولهذا كان إيمان الصدِّيق أقوى من إيمان غيره، بحيث لا تعتريه الشبهة، ويؤيده أن كل أحد يعلم أن ما في قلبه يتفاضل، حتى إنه يكون في بعض الأحيان الإيمان أعظم يقينًا، وإخلاصًا، وتوكلًا منه في بعضها، وكذلك في التصديق والمعرفة، بحسب ظهور البراهين وكثرتها.
وقد نقل محمد بن نصر المروزي في كتابه "تعظيم قدر الصلاة" عن جماعة من الأئمة نحو ذلك، وما نقل عن السلف، صَرّح به عبد الرزاق في "مصنفه" عن سفيان الثوري، ومالك بن أنس، والأوزاعي، وابن جريج، ومعمر، وغيرهم، وهؤلاء فقهاء الأمصار في عصرهم، وكذا نقله أبو القاسم اللالكائي في "كتاب السنّة" عن الشافعي، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، وأبي عبيد، وغيرهم من الأئمة، ورَوى بسنده الصحيح عن البخاري،