ألَا كُل شَىْءٍ مَا خَلَا اللَّهَ بَاطِل

وقد ثبت أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- قال: أصدق كلمة قالها الشاعر كلمة لبيد، فذكر

هذا الشطر، قال أبو عمر: في هذه القصيدة ما يدلّ على أنه قاله في الإسلام،

وذلك قوله:

وَكُلُّ امْرِئٍ يَوْمًا سَيَعْلَمُ سَعْيَهُ ... إِذَا كُشِفَتْ عِنْدَ الإلَهِ الْمَحَاصِلُ

وتعقّبه الحافظ، فقال: لم يتعيَّن ما قال، بل فيه دلالة على أنه كان يؤمن

بالبعث مثل غيره، من عقلاء الجاهلية، كقُسّ بن ساعدة، وزيد بن عمر، وكيف

يخفى على أبي عمر أنه قالها قبل أن يُسلم مع القصة المشهورة في السيرة

لعثمان بن مظعون مع لبيد، لمّا أنشد قريشأ هذه القصيدة بعينها، فلما قال: ألا

كلُّ شيء ... إلخ قال له عثمان: صدقت، فلما قال: وكلُّ نعيم لا محالة زائلُ

قال له عثمان: كذبت، نعيم الجنة لا يزول، فغضب لبيد، وكادت قريش

تضرب سيفهم على وجهه، إنما كان هذا قبل أن يُسْلم لبيد، نعم، يَحْتمل أن

يكون زاد هذا البيت بخصوصه بعد أن أسلم، ويكون مراد من قال: إنه لم

يَنْظِم شعرأ منذ أسلم، يريد شعرًا كاملًا، لا تكميلًا لقصيدة سبق نَظْمه لها،

وبالله التوفيق، وتمام البحث في "الإصابة" (?).

[تنبيه]: أورد البخاريّ رحمه الله هذا الحديث في "باب أيام الجاهليّة"، قال

الحافظ رحمه الله: تلميحأ بما وقع لعثمان بن مظعون -رضي الله عنه- بسبب هذا البيت مع

ناظمه لبيد بن ربيعة قبل إسلامه، والنبيّ -صلى الله عليه وسلم- يومئذ بمكة، وقريش في غاية

الأذية للمسلمين، فذكر ابن إسحاق عن صالح بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن

عوف، عمن حدّثه عن عثمان بن مظعون أنه لمّا رجع من الهجرة الأولى إلى

الحبشة، دخل مكة في جِوَار الوليد بن المغيرة، فلمّا رأى المشركين يؤذون

المسلمين، وهو آمِن، رَدَّ على الوليد جواره، فبينما هو في مجلس لقريش، وقد

وَفَدَ عليهم لبيد بن ربيعة، فقعد ينشدهم من شعره، فقال لبيد:

أَلَا كُلُّ شَىْءٍ مَا خَلَا اللَّهَ بَاطِلٌ

فقال عثمان بن مظعون: صدقت، فقال لبيد:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015