وَكُلُّ نَعِيمِ لَا مَحَالَةَ زَائِلُ

فقال عثمان: كذبت، نعيم الجنة لا يزول، فقال لبيد: متى كان يُؤذى

جليسكم يا معشر قريش، فقام رجل منهم، فلطم عثمان، فاخضرّت عينه،

فلامه الوليد على رَدِّ جِوَاره، فقال: قد كنتَ في ذمةٍ منيعةٍ، فقال عثمان: إن

عيني الأخرى لِمَا أصاب أختها لفقيرةٌ، فقال له الوليد: فعُدْ إلى جِوَارك،

فقال: بل أرضى بجوار الله تعالى (?).

(ألَا كُلُّ شَىْءٍ مَا خَلَا اللهَ بَاطِلٌ") قال النوويّ رحمه الله: المراد بالكلمة هنا:

القطعة من الكلام، والمراد بالباطل: الفاني المضمَحِلّ، وفي هذا الحديث

منقبة للبيد، وهو صحابيّ، وهو لبيد بن ربيعة -رضي الله عنه- (?).

وقال القرطبيّ رحمه الله: الباطل هنا أراد به الْمُضْمَحِلّ، المتغير، الذي هو

بصدد أن يهلك، ويتلف، وهذا نحو من قوله تعالى: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا

وَجْهَهُ} [القصص: 88]، ولا شك في أن هذه الكلمات أصدق ما يتكلَّم به

ناظمٌ، أو ناثر؛ لأن مقدمتها الكليَّة مقطوعٌ بصحتها، وشمولها عقلًا ونقلًا، ولم

يخرج من كليتها شيء قطعًا إلا ما استُثني فيها، وهو الله تعالى، فإنَّه لم يدخل

فيها قطعًا، فإنَّ العقل الصريح قد دلَّ على أن كل ما نشاهده من هذه

الموجودات ممكن في نفسه، متغيِّر في ذاته، وكل ما كان كذلك كان مفتقرًا

إلى غيره، وذلك الغير إن كان ممكنًا متغيرًا كان مثل الأول، فلا بدَّ أن يستند

إلى موجود لا يفتقر إلى غيره، يستحيل عليه التغيُّر، وهو المعبَّر عنه في لسان

الظَّاهر: بواجب الوجود، وفي لسان الشرع: بالصمد المذكور في قوله تعالى:

{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (?) اللَّهُ الصَّمَدُ (2} [الإخلاص: 1، 2]، وبقوله تعالى:

{أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ} [النور: 25]، وعند الانتهاء إلى هذا المقام يُفهم معنى

قوله تعالى: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (26) وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ (27)} [الرحمن:

26، 27]، وللكلام في تفاصيل ما أُجْمِل مواضع أخر. انتهى كلام

القرطبيّ رحمه الله (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015