ثم أجاب عن ذلك بأنها أخبار واهية، قال الحافظ: وهو كذلك،

فحديث أبي أمامة فيه عليّ بن يزيد الألهانيّ، وهو ضعيف، وعلى تقدير قوتها،

فهو محمول على الإفراط فيه، والإكثار منه، ويدل على الجواز سائر أحاديث

الباب، وأخرج البخاريّ في "الأدب المفرد" عن عَمرو بن الشَّرِيد، عن أبيه،

قال: استنشدني النبيّ -صلى الله عليه وسلم- من شعر أمية بن أبي الصلت، فأنشدته حتى أنشدته

مائة قافية.

وعن مُطَرِّف قال: صحبت عمران بن حصين من الكوفة إلى البصرة، فقلّ

منزل نزله إلا وهو ينشدني شعرًا.

وأسند الطبريّ عن جماعة من كبار الصحابة، ومن كبار التابعين أنهم

قالوا الشعر، وأنشدوه، واستنشدوه.

وأخرج البخاريّ في "الأدب المفرد" عن خالد بن كيسان، قال: "كنت

عند ابن عمر، فوقف عليه إياس بن خيثمة، فقال: ألا أُنشدك من شعري؟

قال: بلى، ولكن لا تُنشدني إلا حَسَنًا".

وأخرج ابن أبي شيبة بسند حسن، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، قال:

"لم يكن أصحاب رسول الله -صلي الله عليه وسلم- منحرفين، ولا متماوتين، وكانوا يتناشدون

الأشعار في مجالسهم، ويذكرون أمر جاهليتهم، فإذا أريدَ أحدهم على شيء

من دينه دارت حماليق عينيه".

ومن طريق عبد الرحمن بن أبي بكرة قال: "كنت أجالس أصحاب

رسول الله -صلي الله عليه وسلم- مع أبي في المسجد، فيتناشدون الأشعار، ويذكرون حديث

الجاهلية".

وأخرج أحمد، وابن أبي شيبة، والترمذيّ، وصححه، من حديث جابر بن

سمرة قال: "كان أصحاب رسول الله -صلي الله عليه وسلم- يتذاكرون الشعر، وحديث الجاهلية،

عند رسول الله -صلي الله عليه وسلم-، فلا ينهاهم، وربما يتبسم".

وقال في "الفتح" أيضًا ما حاصله: والذي يتحصل من كلام العلماء في

حدّ الشعر الجائز أنه إذا لم يَكثر منه في المسجد، وخلا عن هجو، وعن

الأغراق في المدح، والكذب المحض. والتغزل بمعيَّن لا يحلّ، وقد نقل ابن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015