وقال في "الفتح"- عند شرح قوله: "إن من الشعر حكمةً"، رواه

البخاريّ-: أي: قولًا صادقًا مطابقًا للحقّ، وقيل: أصل الحكمة المنع،

فالمعنى أن من الشعر كلامًا نافعًا يمنع من السَّفَه.

وأخرج أبو داود، من رواية صخر بن عبد الله بن بُريدة، عن أبيه، عن

جدّه، سمعت رسول الله -صلي الله عليه وسلم- يقول: "إن من البيان سحرًا، وإن من العلم

جهلًا، وإن من الشعر حِكَمًا، وإن من القول عِيالًا"، فقال صعصعة بن

صُوحان: صدق رسول الله -صلي الله عليه وسلم-.

أما قوله: "إن من البيان سحرًا" فالرجل يكون عليه الحقّ، وهو ألحن

بالحجج من صاحب الحقّ، فيَسْحَر القوم ببيانه، فيذهب بالحقّ، وإن قوله:

"وإن من العلم جهلًا"، فيتكلّف العالم إلى علمه ما لا يَعْلَم، فيُجَهِّلُهُ ذلك،

وأما قوله: "إن من الشعر حِكَمًا" فهي هذه المواعظ، والأمثال التي يتعظ بها

الناس، وأما قوله: "إن من القول عِيالًا"، فعرضُك كلامك على من لا يريده.

وقال ابن التين: مفهومه أن بعض الشعر ليس كذلك؛ لأن "مِنْ" تبعيضية.

ووقع في حديث ابن عباس -رضي الله عنه- عند البخاريّ في "الأدب المفرد"، وأبي

داود، والترمذيّ، وحسَّنه، وابن ماجه، بلفظ: "إن من الشعر حِكَمًا"، وكذا

أخرجه ابن أبي شيبة، من حديث ابن مسعود، وأخرجه أيضًا من حديث بريدة

مثله.

وأخرج ابن أبي شيبة من طريق عبد الله بن عبيد بن عمير، قال: قال أبو

بكر: ربما قال الشاعر الكلمة الحكيمة.

وقال ابن بطال: ما كان في الشعر والرجز ذِكرًا لله تعالى، وتعظيمًا له

ووحدانيتِهِ، وإيثار طاعته، والاستسلام له فهو حسن، مُرَغّب فيه، وهو المراد

في الحديث بأنه حكمة، وما كان كذبًا، وفُحْشًا، فهو مذموم.

وقال الطبريّ: في هذا الحديث رَدّ على من كَرِه الشعر مطلقًا، واحتج

بقول ابن مسعود: "الشعر مزامير الشيطان"، وعن مسروق أنه تمثّل بأول بيت

شِعر، ثم سكت، فقيل له؟ ، فقال: أخاف أن أجد في صحيفتي شعرًا، وعن

أبي أمامة، رفعه: "إن إبليس لمّا أُهبط إلى الأرض، قال: رب اجعل لي قرآنًا،

قال: قرآنك الشعر".

طور بواسطة نورين ميديا © 2015