مبتدأ محذوف، تقديره: ويقولون: شجر العنب الكرم، وكأن الواو فيه عاطفة
على شيء محذوف، تقديره: لا يقولون الكرم قلب المؤمن، ويقولون: الكرم
شجر العنب، وقد رواه ابن أبي عمر في "مسنده" عن سفيان بغير واو، وكذا
رواه الإسماعيليّ من طريقه. انتهى (?).
وقد أخرج الطبرانيّ، والبزار من حديث سمرة، رفعه: "إن اسم الرجل
المؤمن في الكتب: الكرمُ، من أجل ما أكرمه الله على الخليقة، وإنكم تَدْعُون
الحائط من العنب الكرم. . ." الحديث.
قال الخطابيّ رحمه الله ما مُلَخَّصه: إن المراد بالنهي تأكيد تحريم الخمر
بمحو اسمها، ولأن في تبقية هذا الاسم لها تقريرًا لِمَا كانوا يتوهّمونه مِن تكرّم
شاربها، فنُهي عن تسميتها كرمًا، وقال: "إنما الكرم قلب المؤمن"؛ لِمَا فيه من
نور الإيمان، وهدى الإسلام، وحَكَى ابن بطال عن ابن الأنباريّ أنهم سَمُّوا
العنب كرمًا؛ لأن الخمر المتخذة منه تَحُثُّ على السخاء، وتأمر بمكارم
الأخلاق، حتى قال شاعرهم:
وَالْخَمْرُ مُشْتَقَّةُ الْمَعْنَى مِنَ الْكَرَمِ
وقال آخر:
شُقِقْتُ مِنَ الصَّبِيِّ وَاشْتُقَّ مِنِّي ... كَمَا اشْتُقَّتْ مِنَ الْكَرَمِ الْكُرُومُ
فلذلك نَهَى عن تسمية العنب بالكرم، حتى لا يسموا أصل الخمر باسم
مأخوذ من الكرم، وجَعَل المؤمن الذي يَتقي شربها، ويرى الكرم في تركها
أحقّ بهذا الاسم. انتهى.
وأما قول الأزهريّ: سُمِّي العنب كرمًا؛ لأنه ذُلِّل لقاطفه، وليس فيه شوك
يَعقر جانيه، وَيحْمِل الأصل منه مثل ما تحمل النخلة، فأكثر، وكل شيء كَثُر
فقد كَرُم، فهو صحيح أيضًا من حيث الاشتقاق، لكن المعنى الأول أنسب
للنهي.
وقال النوويّ: النهي في هذا الحديث عن تسمية العنب كرمًا، وعن
تسمية شجرها أيضًا للكراهية.