الدهر" قال الشافعيّ: تأويل ذلك- والله أعلم- أن العرب كان شأنها أن تسب
الدهر، وتذمه عند المصائب التي تنزل بهم من موت، أو هدم، أو ذهاب مال،
أو غير ذلك من المصائب، وتقول: أصابتنا قوارع الدهر، وأبادهم الدهر،
والليل والنهار يفعل ذلك بهم، فيذمون الدهر بذلك، ويسبّونه، قال
رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تسبوا الدهر" على أنه الذي يفعل بكم ذلك، فإنكم إذا
سببتم فاعل ذلك وقع سبّكم على الله عز وجل، فهو الفاعل لذلك كله، وهو فاعل
الأشياء، ولا شيء إلا ما شاء الله العليّ العظيم. انتهى كلام ابن
عبد البرّ رحمه الله (?)، وهو بحث مفيدٌ جدًّا، والله تعالى أعلم.
وبالسند المتّصل إلى المؤلّف رحمه الله أوّل الكتاب قال:
[5849] (. . .) - (وَحَدَّثَنَاهُ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، وَابْنُ أَبِي عُمَرَ- وَاللَّفْظُ
لِابْنِ أَبِي عُمَرَ- قَالَ إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا، وَقَالَ ابْنُ أَبِي عُمَرَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ
الزُّهْرِيِّ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَن رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "قَالَ اللهُ عز وجل:
يُؤْذِيني ابْنُ آدَمَ، يَسُبُّ الدَّهْرَ، وَأَنَا الدَّهْرُ، أُقَلِّبُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ").
رجال هذا الإسناد: ستة:
وبعضهم ذُكروا في الباب، وبعضم تقدّم قريبًا.
و"إسحاق" هو ابن راهويه، و"سفيان" هو ابن عيينة.
وقوله: (يُؤْذِيني ابْنُ آدَمَ) قال القرطبيّ رحمه الله؛ أي: يخاطبني من القول بما
يتأذى به من يصحُّ في حقه التأذي، لا أن الله تعالى يتأذى؛ لأنَّ التأذي ضرر،
وأَلَمٌ، والله تعالى منزَّه عن ذلك، وهذا يجري مجرى ما جاء من محاربة الله
ومخادعته، وهذه كلها توسعات يُفهم منها: أن من يعامل الله تعالى بتلك
المعاملات تعرَّض لعقاب الله تعالى، ولمؤاخذته الشديدة، فليحذر ذلك.
ويراد بابن آدم هنا: أهل الجاهلية، ومن جرى مجراهم؛ ممن يُطْلِقُ هذا
اللفظ، ولا يتحرز منه، فإنَّ الغالب من أحوال بني آدم إطلاق نسبة الأفعال إلى
الذهر، فيذمُّونه، ويُسفِّهونه إذا لم تحصل لهم أغراضهم، ويمدحونه إذا حصلت