وكذا قال النوويّ أن عمومه مخصوص بالحيوان المحترم، وهو ما لم يؤمر
بقتله، فيحصل الثواب بسقيه، ويلتحق به إطعامه، وغير ذلك من وجوه
الإحسان إليه، وقال ابن التين: لا يمتنع إجراؤه على عمومه؛ يعني: فيُسْقَى،
ثم يُقْتَل؛ لأنّا أُمرنا بأن نُحسن القِتْلة، ونُهينا عن المثلة. انتهى.
قال الجامع عفا الله عنه: هذا الذي قاله ابن التين من إجراء الحديث على
عمومه هو الحقّ؛ لوضوح حجته، والله تعالى أعلم.
6 - (ومنها): أنه استُدِلّ به على طهارة سؤر الكلب، وتُعُقّب بأنه فِعل
بعض الناس، ولا يُدْرَى هل هو كان ممن يُقتدَى به أم لا؟ . وأجيب بأنّا لم
نحتجّ بمجرد الفعل المذكور، بل على القول الراجح من أن شرع من قبلنا شرعٌ
لنا، فإنا لا نأخذ بكل ما ورد عنهم، بل إذا ساقه إمام شرعنا مساق المدح،
ولم يقيّده بقيد، أفاده في "الفتح" (?)، وسيأتي تحقيق القول في شرع من قبلنا
في المسألة التالية- إن شاء الله تعالى-.
(المسألة الرابعة): في الحديث بيان واضح لمسألة مشهورة طال النزاع لمجها،
وهي أن شرع من قبلنا هل هو شرع لنا أم لا؟ ، فقد اختَلف أهل العلم في ذلك:
فذهب بعضهم إلى أنه ليس شرعًا لنا، واستدلوا على ذلك بأنه - صلى الله عليه وسلم - لَمّا
بعث معاذًا - رضي الله عنه - إلى اليمن لم يُرشده إلا إلى العمل بالكتاب والسُّنَّة، ثم اجتهاد
الرأي، وصحح هذا القول ابن حزم، واستدلوا أيضًا بقوله تعالى: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} [المائدة: 48].
وذهب بعضهم إلى أنه شَرْع لنا إلا ما نُسخ منه، نقله ابن السمعاني عن
أكثر الشافعية، وأكثر الحنفية، وطائفة من المتكلمين، قال ابن القشيريّ: هو
الذي صار إليه الفقهاء، واختاره الرازيّ، وقال: إنه قول أصحابهم، وحكاه
الأستاذ أبو منصور عن محمد بن الحسن، واختاره الشيخ أبو إسحاق، وابن
الحاجب، قال ابن السمعاني: وقد أومأ إليه الشافعي في بعض كتبه، قال
القرطبي: وذهب إليه معظم المالكية، قال القاضي عبد الوهاب: إنه الذي
تقتضيه أصول مالك.