حديث اليَتَامَى: "تَحَرَّجُوا أَنْ يَأْكُلُوا مَعَهُم"، أَي: ضَيَّقوا على أَنفُسِهم (?).
قال القرطبيّ: قال مالك رحمهُ اللهُ: يكفي في الإنذار أن يقول: أحرِّج عليك
بالله، واليوم الآخر، أن لا تبدو لنا، ولا تؤذوننا، وحَكَى ابن حبيب عن
النبيّ -صلى الله عليه وسلم- أنَّه يقول: "أنشدكن بالعهد الذي أخذ عليكنّ سليمان، أن لا تؤذوننا،
وأن لا تظهرن علينا". انتهى.
وقال الزرقانيّ: صفة الإنذار ما رَوَى الترمذيّ، وحسّنه (?)، عن أبي ليلى
قال: قال -صلى الله عليه وسلم-: "إذا ظهرت الحية في المسكن، فقولوا لها: نسألك بعهد نوح،
وبعهد سليمان بن داود، لا تؤذينا، فإن عادت فاقتلوها".
ولأبي داود من حديثه أنه -صلى الله عليه وسلم- سئل عن جِنّان البيوت، فقال: "إذا رأيتم
منهنّ شيئًا في مساكنكم، فقولوا: أنشدكم العهد الذي أخذ عليكم نوح،
أنشدكم العهد الذي أخذ عليكم سليمان، أن لا تؤذونا، فإن عُدن
فاقتلوهنّ" (?).
وقال مالك: يكفي أن يقال: أُحَرِّج عليكم بالله، واليوم الآخر، أن لا
تَبدوا لنا، ولا تؤذونا.
وقال في "الفتح": معنى التحريج أن يقال لهنّ: أنتِ في ضِيق وحرج إن
لبثت عندنا، أو ظهرتِ لنا، أو عُدت إلينا.
وقوله: (وَإِلَّا فَاقْتُلُوهُ، فَإِنَّهُ كَافِرٌ) وفي الرواية الماضية: "فإن بدا لكم بعد
ذلك فاقتلوه، فإنما هو شيطان" قال القاضي عياض: لأنه إذا لم يذهب بالإنذار
بأن أنه ليس من عُمّار البيوت، ولا ممن أسلم، وأنه شيطان، فقَتْله مباح،
وأن الله عزَّ وجلَّ لم يجعل له سبيلًا إلى الاقتصاص ممن قتله، كما فعل لجنّان
البيت، ومن أسلم، لم يُنْذَر. انتهى (?).
وقال القرطبيّ: والأمر في ذلك للإرشاد، إلا إن تحقق الضرر، فيجب رفعه.