تَحْبَط، وتَبْطُل، وهو جارٍ على أصول الخوارج الفاسدة في تكفيرهم

بالذنوب، وقد بيَّنا فساد هذا الأصل فيما تقدم، وأنه لا يَحبط الأعمال إلا

الردة، وأما غيرها فالحسنات تُبطل السيئات، كما قال تعالى: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ

يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود: 114]، وهذا مذهب أهل السنَّة والجماعة، فليس معنى

قوله: "لا تقبل له صلاة" أن تحبط، بل إنما معناه -والله أعلم- أنَّها لا تُقبل

قبول الرضا، وتضعيف الأجر. لكنه إذا فعلها على شروطها الخاصة بها، فقد

برئت ذمّته من المطالبة بالصلاة، وتَفَصّى عن عهدة الخطاب بها، ويفوته قبول

الرضا عنه، وإكرامه، وثوابه، ويتضح ذلك باعتبار ملوك الأرض، ولله المثل

الأعلى، وذلك أن الْمُهدِي إليهم: إما مردودٌ، أو مقبول منه، والمقبول: إما

مقرَّب مُكرَّم مثاب، وإما ليس كذلك. فالأول: هو المبعدُ المطرود، والثاني:

هو المقبول القبول القائم الكامل. والثالث: لا يصدق عليه أنه مثل الأول،

فإنه لم تردَّ هديته، بل: قد التُفِت إليه، وقُبلت منه. لكنه لمّا لم يُثَب، ولم

يُقرَّب صار كأنه غير مقبول منه، فَيَصْدُق عليه أنَّه لم يُقبل منه إذ لم يحصل له

ثواب ولا إكرام.

قال الجامع عفا الله عنه: كلام القرطبيّ هذا فيه نظر لا يخفى، فكلامه

يدلّ على أن هذا الذي قرّره في كلامه المذكور مذهب أهل السنّة والجماعة،

وهو غير صحيح، فقد قال بعدم إجزاء الصلاة في الدار المغصوبة أحمد بن

حنبل، وكذا قال غيرها في غيرها، فهل يقول القرطبيّ هذا الكلام في حديث:

"لا يقبل الله صلاة من أحدث حتى يتوضّأ"، لا تقبل صلاته قبول الرضا،

وتكون مجزئةً؟ ، هيهات، وهل يقول مثل هذا في حديث: "لا تقبل صلاة

حائض إلا بخمار"؛ أي: قبول الرضا، وتجزيها؟ هيهات، وَقِسْ على هذا.

والحاصل: أن كون عدم القبول كناية عن عدم الإجزاء هو الواضح،

ومثله في الصلاة في الدار المغصوبة، وصلاة الآبق، وصلاة شارب الخمر،

وغير ذلك، فكلّها معناه أنها لا تجزىء، بل تجب إعادتها، وقد أوضحت هذا

في "التحفة المرضيّة" في الأصول، و"شرحها"، فراجعه تستفد، وبالله تعالى

التوفيق.

3 - (ومنها): ما قال القرطبيّ -رحمه الله- أيضًا: تخصيصه -صلى الله عليه وسلم- الأربعين بالذكر

طور بواسطة نورين ميديا © 2015