أحوال المنجمين، والمطلوب من العلوم النجوميات ما يُهْتَدى به في الظلمات،
وتُعرف به الأوقات، وما سوى ذلك فمخارق وتُرَّهات، ويكفي في الردّ عليهم:
ظهور كذبهم، واضطراب قولهم، وقد اتفقت الشرائع على أن القضاء بالنجوم
محرَّم مذموم. قاله القرطبيّ -رحمه الله- (?)، وهو تحقيقٌ نفيسٌ جدًّا، والله تعالى أعلم.
(المسألة الرابعة): ذكر الشيخ أبو القاسم عبد الكريم بن هوازن
القشيريّ -رحمه الله- في كتابه المسمّى بـ "مفاتيح الحُجَج" في إبطال مذهب المنجّمين،
وأطنب فيه، وذَكَر أقوالهم، وقال: وأقربها قول من قال: هذه الحوادث
يُحْدثها الله تعالى ابتداءً بقدرته، واختياره، ولكن أجرى العادة بأنه إنما يخلقها
عند كون هذه الكواكب في البروج المخصوصة، ويختلف باختلاف سيرها،
واتّصالاتها، ومطارح أشعّتها على جهة العادة من الله تعالى، كما أجرى العادة
بخلق الولد عقب الجماع، وخلق الشبَع عقب الطعام، ثم قال: هذا في القدرة
جائز، لكن ليس عليه دليلٌ، ولا إلى القطع سبيل؛ لأن ما كان على جهة العادة
يجب أن يكون الطريق فيه مستمرًّا، وأقلّ ما فيه أن يحصل التكرار، وعندهم لا
يحصل وقت في العالم مكرّر على وجه واحد؛ لأنه إذا كان في سنة الشمس
مثلًا في درجة من برج، فإذا عادت إليها في السنة الأخرى، فالكواكب لا يتفق
كونها في بروجها، كما كانت في السنة الماضية، والأحكام تختلف بالقرائن،
والمقابلات، ونظرِ الكواكب بعضها إلى بعض، فلا يحصل شيء من ذلك
مكرّرًا.
واتّفقوا على أنه لا سبيل إلى الوقوف على الأحكام، ولا يجوز القطع
على البتّ؛ لتعذّر الإحاطة بها على التفصيل.
ومما يدلّ على أنه لا حجة في قولهم أنهم اختلفوا فيما بينهم في حكم
الزّنج، فلأهل هند وسِنْد طريق يخالف أرباب الزّنج الممتحن.
وفصل الشيخ في الاختلاف بينهم تفصيلًا، ثم قال: ومما يدلّ على فساد
قولهم أن يقال: أخبرونا عن مولودين وُلدا في وقت واحد، أليس يجب
تساويهما في كلّ وجه؟ لا تمييز بينهما في الصورة والقدر والمنظر حتى لا