وقال المازريّ: جمهور العلماء على إثبات السحر، وأن له حقيقةً، ونَفَى
بعضهم حقيقته، وأضاف ما يقع منه إلى خيالات باطلة، وهو مردود؛ لورود
النقل بإثبات السحر، ولأن العقل لا يُنكر أن الله قد يخرق العادة عند نُطق
الساحر بكلام ملفَّق، أو تركيب أجسام، أو مزج بين قُوًى على ترتيب
مخصوص، ونظير ذلك ما يقع من حُذاق الأطباء من مزج بعض العقاقير
ببعض، حتى ينقلب الضارّ منها بمفرده بالتركيب نافعًا، وقيل: لا يزيد تأثير
السحر على ما ذكر الله تعالى في قوله: {يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ}
[البقرة: 102]؛ لكون المقام مقام تهويل، فلو جاز أن يقع به أكثر من ذلك لَذَكره.
قال المازريّ (?): والصحيح من جهة العقل أنه يجوز أن يقع به أكثر من
ذلك، قال: والآية ليست نصًّا في منع الزيادة، ولو قلنا: إنها ظاهرة في ذلك.
انتهي، وهو تحقيقٌ حسنٌ، والله تعالى أعلم.
(المسألة الرابعة): في الفرق بين السحر، والمعجزة، والكرامة:
(اعلم): أن السحر - كما قال المازريّ - يكون بمعاناة أقوال، وأفعال،
حتى يتمّ للساحر ما يريد، والكرامة لا تحتاج إلى ذلك، بل إنما تقع غالبًا
اتّفاقًا، وأما المعجزة فتمتاز عن الكرامة بالتحدِّي، ونقل إمام الحرمين الإجماع
على أنَّ السحر لا يظهر إلَّا من فاسق، وأن الكرامة لا تظهر على فاسق، ونقل
النوويّ في زيادات"الروضة" عن المتوليّ نحو ذلك، وينبغي أن يعتبر بحال من
يقع الخارق منه، فإن كان متمسِّكًا بالشريعة، متجنِّبًا للموبقات، فالذي يظهر
على يده من الخوارق كرامة، وإلَّا فهو سحر؛ لأنه ينشأ عن أحد أنواعه؛
كإعانة الشياطين، ذكره في "الفتح" (?)، والله تعالى أعلم بالصواب.
(المسألة الخامسة): قال الإمام البخاريّ - رَحِمَهُ اللهُ - في "صحيحه": "باب
السحر"، وقول الله تعالى: {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ