مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (102)} [البقرة: 102].
قال في "الفتح، في شرح هذا الموضع: قوله: "وقول الله تعالى: {وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ
النَّاسَ السِّحْرَ} الآية": في هذه الآية بيان أصل السحر
الذي يَعمل به اليهود، ثم هو مما وضعته الشياطين على سليمان بن داود - عَلَيْهِ السَّلَامْ -
ومما أُنزل على هاروت وماروت بأرض بابل، والثاني متقدم العهد على الأول؛
لأنَّ قصة هاروت وماروت كانت من قبل زمن نوح - عَلَيْهِ السَّلَامْ - على ما ذكر ابن
إسحاق وغيره، وكان السحر موجودًا في زمن نوح - عَلَيْهِ السَّلَامْ - إذ أخبر الله عن قوم
نوح أنهم زعموا أنه ساحر، وكان السحر أيضًا فاشيًا في قوم فرعون، وكل
ذلك قبل سليمان، واختُلِف في المراد بالآية:
فقيل: إن سليمان كان جَمَعَ كُتُب السحر والكهانة، فدفنها تحت كرسيه، فلم
يكن أحد من الشياطين يستطيع أن يدنو من الكرسيّ، فلما مات سليمان، وذهب
العلماء الذين يعرفون الأمر جاءهم شيطان في صورة إنسان، فقال لليهود: هل
أدلكم على كنز لا نظير له؟ قالوا: نعم، قال: فاحفروا تحت الكرسيِّ، فحفروا،
وهو متنحٍّ عنهم، فوجدوا تلك الكتب، فقال لهم: إن سليمان كان يضبط الأنس
والجن بهذا، ففشا فيهم أن سليمان كان ساحرًا، فلما نزل القرآن بذكر سليمان
في الأنبياء أنكرت اليهود ذلك، وقالوا: إنما كان ساحرًا، فنزلت هذه الآية.
أخرجه الطبريّ وغيره عن السديّ، ومن طريق سعيد بن جبير بسند
صحيح نحوه، ومن طريق عمران بن الحارث عن ابن عباس موصولًا بمعناه.
وأخرج من طريق الربيع بن أنس نحوه، ولكن قال: إن الشياطين هي
التي كتبت كُتُب السحر، ودفنتها تحت كرسيه، ثم لما مات سليمان استخرجته،
وقالوا: هذا العلم الذي كان سليمان يكتمه الناس.
وأخرجه من طريق محمد بن إسحاق، وزاد: أنهم نقشوا خاتمًا على نقش
خاتم سليمان، وختموا به الكتاب، وكتبوا عنوانه: هذا ما كتب آصف بن
برخياء الصديق للملك سليمان بن داود، من ذخائر كنوز العلم، ثم دفنوه،
فذكر نحو ما تقدم.