بالشياطين، ومخاطبة الكواكب، فيكون ذلك أقوى بزعمهم، قال أبو بكر

الرازيّ في "الإحكام" له: كان أهل بابل قومًا صابئين، يعبدون الكواكب

السبعة، ويسمونها آلهة، ويعتقدون أنَّها الفعالة لكل ما في العالم، وعملوا

أوثانًا على أسمائها، ولكل واحد هيكل، فيه صنمه، يُتقرّب إليه بما يوافقه

بزعمهم، من أدعية، وبَخور، وهم الذين بُعث إليهم إبراهيم - عَلَيْهِ السَّلَامْ -، وكانت

علومهم أحكام النجوم، ومع ذلك فكان السحرة منهم يستعملون سائر وجوه

السحر، وينسبونها إلى فعل الكواكب؛ لئلا يُبْحَث عنها، وَينكشف تمويههم.

انتهى.

[تنبيه]: السحر يُطلَق، ويراد به الآلة التي يُسحر بها، ويطلق ويراد به

فعل الساحر، والآلة تارةً تكون معنى من المعاني فقط؛ كالرُّقَي، والنفث في

العُقَد، وتارةً تكون بالمحسوسات؛ كتصوير الصورة على صورة المسحور،

وتارة بجمع الأمرين الحسيّ والمعنويّ، وهو أبلغ، والله تعالى أعلم.

(المسألة الثالثة): في اختلاف أهل العلم في السحر:

(اعلم) أنه اختُلِف في السحر، فقيل: هو تخييل فقط، ولا حقيقة له،

وهذا اختيار أبي جعفر الاسترباذيّ من الشافعية، وأبي بكر الرازيّ من الحنفية،

وابن حزم الظاهريّ، وطائفة، قال النوويّ: والصحيح أن له حقيقة، وبه قطع

الجمهور، وعليه عامة العلماء، ويدل عليه الكتاب والسُّنَّة الصحيحة المشهورة.

انتهى.

لكن محل النزاع: هل يقع بالسحر انقلاب عين، أو لا؟ فمن قال: إنه

تخييل فقط مَنَع ذلك، ومن قال: إن له حقيقةً، اختلفوا هل له تأثير فقط،

بحيث يغير المزاج، فيكون نوعًا من الأمراض، أو ينتهي إلى الإحالة، بحيث

يصير الجماد حيوانًا مثلًا، وعكسه؟ فالذي عليه الجمهور هو الأول، وذهبت

طائفة قليلة إلى الثاني، فإن كان بالنظر إلى القدرة الإلهية فمسلَّم، وإن كان

بالنظر إلى الواقع، فهو محل الخلاف، فإن كثيرًا ممن يَدَّعي ذلك لا يستطيع

إقامة البرهان عليه.

ونقل الخطابيّ أن قومأ أنكروا السحر مطلقًا، وكأنه عني القائلين بأنه

تخييل فقط، وإلا فهي مكابرة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015