ما تؤثر في نفسها، ثم تؤثر في غيرها، وقيل: إنما هو سمّ في عين العائن
يصيب بلفحه عند التحديق إليه، كما يصيب لفح سمّ الأفعى من يتصل به، ثم
ردّ الأول بأنه لو كان كذلك لَمَا تخلفت الإصابة في كلّ حال، والواقع خلافه،
والثاني بأن سمّ الأفعى جزء منها، وكلها قاتل، والعائن ليعس يقتل منه شيء في
قولهم إلَّا نَظَره، وهو - معنى خارج عن ذلك، قال: والحق أن الله يخلق عند
نظر العائن إليه، وإعجابه به إذا شاء ما شاء، من ألم، أو هلكة، وقد يصرفه
قبل وقوعه، إما بالاستعاذة، أو بغيرها، وقد يصرفه بعد وقوعه بالرقية،
أو بالاغتسال، أو بغير ذلك. انتهى كلامه.
قال الحافظ: وفيه بعض ما يُتَعقَّب، فإن الذي مَثَّل بالأفعى لَمْ يُرد أنَّها
تلامس المصاب حتى يتصل به من سمها، وإنما أراد أن جنسًا من الأفاعي
اشتَهَر أنَّها إذا وقع بصرها على الإنسان هلك، فكذلك العائن، وقد أشار - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
إلى ذلك في حديث أبي لبابة - رضي الله عنه - مرفوعًا عند ذكر الأبتر، وذي الطُّفْيتين قال:
"فإنهما يطمسان البصر، ويُسقطان الْحَبَل"، وليعس مراد الخطابي بالتأثير المعنى
الذي يذهب إليه الفلاسفة، بل ما أجرى الله به العادة، من حصول الضرر
للمعيون.
وقد أخرج البزار بسند حسن عن جابر - رضي الله عنه - رفعه: "أكثر من يموت بعد
قضاء الله وقَدَره بالنَّفس"، قال الراوي: يعني: بالعين، وقد أجرى الله تعالى
العادة بوجود كثير من القوى والخواص في الأجسام، والأرواح، كما يحدث
لمن ينظر إليه من يحتشمه من الخجل، فيُرَى في وجهه حُمْرةٌ شديدةٌ لَمْ تكن
قبل ذلك، وكذا الاصفرار عند رؤية من يخافه، وكثير من الناس يَسقَم بمجرد
النظر إليه، وتضعف قواه، وكل ذلك بواسطة ما خلق الله تعالى في الأرواح من
التأثيرات، ولشدة ارتباطها بالعين نُسب الفعل إلى العين، وليست هي المؤثرة،
وإنما التأثير للروح، والأرواح مختلفة في طبائعها، وقواها، وكيفياتها،
وخواصّها. فمنها ما يؤثر في البدن بمجرد الرؤية من غير اتصال به؛ لشدة
خبث تلك الروح، وكيفيتها الخبيثة.
والحاصل أن التاثير بإرادة الله تعالى وخَلْقه ليس مقصورًا على الاتصال
الجسمانيّ، بل يكون تارة به، وتارة بالمقابلة، وأخرى بمجرد الرؤية، وأخرى