شرح الحديث:
(عَنْ أَبِي سَعِيدٍ) الخدريّ - رضي الله عنه - ("أَنَّ جِبْرِيلَ) - عَلَيْهِ السَّلَامْ - (أَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقَالَ:
يَا مُحَمَّدُ اشْتَكَيْتَ؟ ) بتقدير همزة الاستفهام؛ أي: أأشتكيت؛ أي: مرِضت،
(فَقَالَ) - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (نَعَمْ) قال الفيّوميّ - رَحِمَهُ اللهُ -: قولهم في الجواب: نَعَمْ، معناها:
التَّصْدِيقُ، إن وقعت بعد الماضي، نحو هل قام زيد؟ والوَعْدُ، إن وقعت بعد
المسشقبل، نحو هل تقوم؟ قال سيبويه: نَعَمْ عِدَةٌ، وتصديق، قال ابن بابشاذ:
يريد أنَّها عِدَةٌ في الاستفهام، وتصديق للإخبار، ولا يريد اجتماع الأمرين فيها
في كلّ حال (?)، وقد تقدّم الكلام فيها مستوفًى في غير هذا المحلّ، ولله
الحمد.
(قَالَ) جبريل: (بِاسْمِ اللهِ) متعلّق بـ (أَرْقِيكَ) بفتح الهمزة، من باب ضرب،
وقوله: (مِنْ كُلِّ شَيْءٍ) متعلّق بـ"أرقيك" أيضًا، وقوله: (يُؤْذِيكَ) من الأيذاء،
والجملة في محلّ جرّ صفة لـ"شيء"، وقوله: (مِنْ شَرِّ كُلِّ نَفْسٍ) بدل من الجارّ
والمجرور قبله، (أَوْ عَيْنِ حَاسِدٍ) قال القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: هذا شكّ من الراوي في
أيّ اللفظين قال، مع أن معناهما واحدٌ، فإن النفس يقال على الإصابة بالعين،
يقال: أصابت فلانًا نفس؛ أي: عين، والنافس العائن، قاله الْقَتَبيّ، وتُطلق
النفس على أمور أُخَر، ليس شيء منها يراد بهذا الحديث. انتهى (?).
وقال النوويّ - رَحِمَهُ اللهُ -: قيل: يَحْتَمِل أن المراد بالنفس نفس الآدميّ، وقيل:
يَحْتَمِل أن المراد بها العين، فان النفس تُطلق على العين، ويقال: رجلٌ نَفُوسٌ
إذا كان يصيب الناس بعينه، كما قال في الرواية الأخرى: "من شرّ كلّ ذي
عين"، ويكون قوله: "أو عينِ حاسدٍ" من باب التوكيد بلفظ مختلف، أو شَكًّا
من الراوي في لفظه، والله أعلم. انتهى (?).
وقوله: (اللهُ يَشْفِيكَ) بفتح حرف المضارعة، ويجوز ضمّها، والجملة
خبريّة لفظًا، إنشائيّة معنى؛ لأنَّ المراد بها الدعاء، وقوله: (بِاسْمِ اللهِ أَرْقِيكَ")
كرّره للتأكيد.