كان معه غيره أَمِن ذلك، وعلى هذا يستوي في ذلك كل الأعداد، فلا يتناجى
أربعة دون واحد، ولا عشرة، ولا ألفٌ مثلًا؛ لوجود ذلك المعنى في حقه، بل
وجوده في العدد الكثير أمكن، وأوقع, فيكون بالمنع أَولى، وإنما خصَّ الثلاثة
بالذِّكر؛ لأنه أول عدد يتأتى فيه ذلك المعنى.
وظاهر هذا الحديث يعمّ جميع الأزمان والأحوال، وإليه ذهب ابن عمر،
ومالك، والجمهور.
وقد ذهب بعض الناس إلى أن ذلك كان في أول الإِسلام؛ لأنَ ذلك كان
حال المنافقين، فيتناجى المنافقون دون المؤمنين، فلما فشا الإِسلام سقط
ذلك، وقال بعضهم: ذلك خاصٌّ بالسفر، وفي المواضع التي لا يأمَن الرجل
فيها صاحبه، فأمَّا في الحضر، وبين العمارة فلا.
قال القرطبيّ: وكل ذلك تحكُّم، وتخصيصٌ لا دليل عليه، والصحيح ما
صار إليه الجمهور، والله تعالى أعلم بحقائق الأمور. انتهى (?).
وقال النوويّ رحمه اللهُ: وفي هذه الأحاديث النهي عن تناجي اثنين بحضرة
ثالث، وكذا ثلاثة، وأكثر بحضرة واحد، وهو نهي تحريم، فيحرم على
الجماعة المناجاة دون واحد منهم، إلا أن يأذن.
ومذهب ابن عمر - رضي الله عنهما -، ومالك، وأصحابنا، وجماهير العلماء، أن النهي
عام في كل الأزمان، وفي الحضر، والسفر.
وقال بعض العلماء: إنما المنهيّ عنه المناجاة في السفر دون الحضر؛
لأن السفر مَظِنّة الخوف، وادَّعَى بعضهم أن هذا الحديث منسوخ، وكان هذا
في أول الإِسلام، فلما فشا الإِسلام، وأَمِن الناسُ سقط النهيُ، وكان المنافقون
يفعلون ذلك بحضرة المؤمنين؛ ليحزنوهم، أما إذا كانوا أربعة، فتناجى اثنان
دون اثنين، فلا بأس بالإجماع. انتهى، والله تعالى أعلم.
مسألتان تتعلّقان بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - هذا متّفق عليه.