وقال المناويّ رحمه الله: وقد سئل المصطفى - صلى الله عليه وسلم - عن نظر الفجأة، فأمر
السائل أن يصرف بصره، فأرشده إلى ما ينفعه، ويدفع ضرره، وقال لابن عمه
عليّ - رضي الله عنه - تحذيرًا مما يوقع في الفتنة، ويورث الحسرة: "لا تتبع النظرة
النظرة"، أما سمعت (?) قول العقلاء: من سَرّح ناظره، أتعب خاطره، ومن
كَثُرت لحظاته، دامت حسراته، وضاعت أوقاته، نظر العيون إلى العيون هو
الذي جعل الهلاك إلى الفؤاد سبيلًا؟ انتهى (?).
2 - (ومنها): وجوب صرف البصر إذا وقع على الأجنبيّة بغتةً، فإذا
صرف في الحال، فلا إثم عليه، وإن استدام النظر أَثِمَ؛ لهذا الحديث، فإنه - صلى الله عليه وسلم -
أمره بأن يصرف بصره، مع قوله تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} (?).
3 - (ومنها): ما قال القاضي عياض: قال العلماء: وفي هذا حجة أنه لا
يجب على المرأة أن تستر وجهها في طريقها، وإنما ذلك سُنَّة مستحبة لها،
ويجب على الرجال غَضّ البصر عنها في جميع الأحوال، إلا لغرض صحيحٍ
شرعيّ، وهو حالة الشهادة، والمداوأة، وإرادة خطبتها، أو شراء الجارية، أو
المعاملة بالبيع والشراء، وغيرهما، ونحو ذلك، وإنما يباح في جميع هذا قَدْر
الحاجة، دون ما زاد، والله أعلم. انتهى (?).
4 - (ومنها): ما قال ابن عبد البرّ رحمه الله- بعد أن ذكر الأحاديث الواردة
في هذا الباب- ما حاصله: وهذه الآثار، وما كان مثلها في معناها يدلّك على
أن قوله - صلى الله عليه وسلم - لفاطمة بنت قيس عند ابن أم مكتوم: "تضعين ثيابك، ولا يراك"،
أراد به الإعلان بأن نظر الرجل إلى المرأة، وتأمله لها، وتكرار بصره في ذلك
لا يجوز له؛ لِمَا فيه من داعية الفتنة.
وفي حديث محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن فاطمة - رضي الله عنها -: أن
النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال لها: انتقلي إلى بيت ابن أم مكتوم، فإنه رجل، قد ذهب بصره،
فإن وضعت شيئًا من ثيابك لم ير شيئًا.