وفي هذا الحديث دليل على جواز نظر المرأة الرجل الأعمى، وكونها
معه، وإن لم تكن ذات محرم منه، في دار واحدة، وبيت واحد، وفي ذلك ما
يَرُدّ حديث نبهان- مولى أم سلمة- عن أم سلمة - رضي الله عنها - قالت: كنت أنا وميمونة
جالستين عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فاستأذن عليه ابن أم مكتوم الأعمى، فقال:
"احتجبا منه"، فقلنا: يا رسول الله أليس بأعمى، ولا يبصرنا؟ قال: "أَفَعَمْيَاوَانِ
أنتما".
ففي هذا الحديث نهيه عن نظرهما إلى ابن أم مكتوم، وفي حديث فاطمة
إباحة نظرها إليه، ويشهد لحديث نبهان هذا ظاهر قول الله تعالى: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ} [النور: 31]، كما قال: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} [النور: 30]، ويشهد لذلك من طريق الغَيْرة أن نظرها إليه كنظره
إليها، وقد قال بعض الأعراب: لأن ينظر إلى وليّتي عشرة رجال خير من أن
تنظر هي إلى رجل واحد.
ومن قال بحديث فاطمة احتَجَّ بصحة إسناده، وأنه لا مطعن لأحد من
أهل العلم بالحديث فيه، وقال: إن نبهان- مولى أم سلمة- ليس ممن يُحتجّ
بحديثه، وزعم أنه لم يرو إلا حديثين منكرين: أحدهما هذا، والآخر عن أم
سلمة، عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - في المكاتَب: "إذا كان عنده ما يؤدي به كتابته احتجبت
منه سيدته". انتهى كلام ابن عبد البرّ رحمه الله (?).
قال الجامع عفا الله عنه: حديث مولى أم سلمة - رضي الله عنها - المذكور ضعيف،
فلا يعارض خديث فاطمة بنت قيس المذكور المتّفق عليه، وعلى تقدير صحّته
فأمهات المؤمنين لسن كسائر النساء، يشدّد في حقِّهن ما يشدّد في غيرهنّ، والله
تعالى أعلم.
وبالسند المتّصل إلى المؤلّف رحمه الله أوّل الكتاب قال:
[5633] (. . .) - (وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الأَعْلَى، وَقَالَ
إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثنَا سُفْيَانُ، كِلَاهُمَا عَنْ يُونُسَ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ مِثْلَهُ).