أشدّ من استماع ذِكْرِها، وشرط القياس المساواة، أو أولوية المقيس، وهنا
بالعكس. انتهى كلام الحافظ رحمه الله (?).
وقال الشوكانيّ رحمه الله: قد استَدَلّ بأحاديث الباب مَن قال: إن من قصد
النظر إلى مكان لا يجوز له الدخول إليه بغير إذن جاز للمنظور إلى مكانه أن
يفقأ عينه، ولا قصاص عليه، ولا دية؛ للتصريح بذلك في الحديث الآخر حيث
قال: "فلا دية، ولا قصاص"، وقال أيضًا: "فقد حَلّ لهم أن يفقؤوا عينه"،
ومقتضى الحلّ أنه لا يَضْمَن، ولا يُقْتَصّ منه، وقال أيضًا: "ما كان عليك من
جناح"، وإيجاب القصاص، أو الدية جناح، ولأن قوله - صلى الله عليه وسلم - الماضي: "لو أعلم
أنك تنظر طعنت به في عينك" يدُلّ على الجواز، وقد ذهب إلى مقتضى هذه
الأحاديث جماعة من العلماء، منهم الشافعيّ رحمه الله.
وخالفت المالكية هذه الأحاديث، فقالت: إذا فعل صاحب المكان بمن
اطَّلَع عليه ما أَذِن به النبيّ - صلى الله عليه وسلم - وجب عليه القصاص، أو الدية، وساعدهم على
ذلك جماعة من العلماء، وغاية ما عَوَّلوا عليه قولهم: إن المعاصي لا تُدْفَع
بمثلها، وهذا من الغرائب التي يَتعجب المنصف من الإقدام على التمسك
بمثلها في مقابلة تلك الأحاديث الصحيحة، فإن كل عالم يَعلم أن ما أَذِن فيه
الشارع ليس بمعصية، فكيف يُجعل فقء عين المطَّلِع من باب مقابلة المعاصي
بمثلها؟
ومن جملة ما عَوَّلوا عليه قولهم: إن الحديث وارد على سبيل التغليظ
والإرهاب.
ويجاب عنه بالمنع، والسندُ أن ظاهر ما بلغنا عنه - صلى الله عليه وسلم - محمول على
التشريع إلا لقرينة تدلّ على إرادة المبالغة.
وقد تخلّص بعضهم عن الحديث بأنه مؤوَّل بالإجماع على أن من قصد
النظر إلى عورة غيره لم يكن ذلك مبيحًا لفقء عينه، ولا سقوط ضمانها.
ويجاب أوّلًا بمنع الإجماع، وقد نازع القرطبيّ في ثبوته، وقال: إن
الحديث يتناول كل مطّلع، قال: لأن الحديث المذكور إنما هو لمظنة الاطلاع