دفع الصائل، ولو أتى على نفس المدفوع، وهو بغير السبب المذكور معصية،
فهذا ملحَق به، مع ثبوت النص فيه.
وأجابوا عن الحديث بأنه ورد على سبيل التغليظ، والإرهاب، ووافق
الجمهورَ منهم ابنُ نافع، وقال يحيى بن عمر منهم: لعل مالكًا لم يبلغه الخبر.
وقال القرطبي في "المفهم": ما كان - صلى الله عليه وسلم - بالذي يَهُمُّ أن يفعل ما لا
يجوز، أو يؤدي إلى ما لا يجوز، والحمل على رفع الإثم، لا يتم مع وجود
النص، برفع الحرَج، وليس مع النص قياس.
واعتَلَّ بعضُ المالكية أيضًا بالإجماع على أن من قصد النظر إلى عورة
الآخر ظاهرًا أن ذلك لا يبيح فقء عينه، ولا سقوط ضمانها عمن فقأها، فكذا
إذا كان المنظورد في بيته، وتجسس الناظر إلى ذلك. ونازع القرطبيّ في ثبوت
هذا الإجماع، وقال: إن الخبر يتناول كل مُطَّلِع، قال: وإذا تناول المطلعَ في
البيت مع المظنة، فتناوُله المحقَّق أَولى.
قال الحافظ: وفيه نظر؛ لأن التطلع إلى ما في داخل البيت لم ينحصر
في النظر إلى شيء معيَّن كعورة الرجل مثلًا، بل يشمل استكشاف الحريم وما
يقصد صاحب البيت سَتْره من الأمور التي لا يحبّ اطلاع كل أحد عليها، ومن
ثم ثبت النهي عن التجسُّس، والوعيدُ عليه؛ حسمًا لمواد ذلك، فلو ثبت
الإجماع الْمُدَّعَى لم يستلزم رَدّ هذا الحكمَ الخاصَّ، ومن المعلوم أن العاقل
يشتدّ عليه أن الأجنبي يرى وجه زوجته، وابنته، ونحو ذلك، وكذا في حالة
ملاعبته أهله أشدّ مما لو رأى الأجنبي ذَكَرَه منكشفًا، والذي ألزمه القرطبيّ
صحيح في حق من يروم النظر، فيدفعه المنظور إليه، وفي وجه للشافعية لا
يُشرَع في هذه الصورة.
وهل يشترط الإنذار قبل الرمي؟ وجهان: قيل: يشترط كدفع الصائل،
وأصحهما لا؛ لقوله في الحديث: "يَخْتِلُهُ بذلك"، وفي حكم المتطلعِ من خَلَل
بابٍ الناظرُ من كوّة من الدار، وكذا من وقف في الشارع، فنظر إلى حريم
غيرًه، أو إلى شيء في دار غيره، وقيل: المنع مختص بمن كان في مُلك
المنظور إليه.
وهل يلحق الاستماع بالنظر؟ وجهان: الأصح لا؛ لأن النظر إلى العورة