بأسماء الأنبياء، وأحب الأسماء إلى الله: عبد الله، وعبد الرَّحمن، وأصدقها:
حارث، وهمام، وأقبحها: حَرْب، ومُرَّة"، قال بعضهم: أما الأولان فَلِمَا يأتي
قريبًا، وأما الآخران فلأن العبد في حرث الدنيا، أو حرث الآخرة، ولأنه لا
يزال يَهُمّ بالشيء بعد الشيء، وأما الأخيران فلِمَا في الحرب من المكاره، ولما
في مُرَّة من المرارة.
وأخرج البخاريّ في "الأدب المفرد" حديث يوسف بن عبد الله بن سلام،
قال: "سمّاني النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوسف ... " الحديث، وسنده صحيح، وأخرجه
الترمذفي في "الشمائل"، وأخرج ابن أبي شيبة بسند صحيح، عن سعيد بن
المسيِّب، قال: " أحب الأسماء إليه أسماء الأنبياء، تَسَمَّوا بأسماء الأنبياء"،
لفظه أَمْر، ومعناه الإباحة؛ لأنه خرج على سبب، وهو: "تَسَمَّوا باسمي"،
وإنما طلب التسمي بالأنبياء؛ لأنهم سادة بني آدم، وأخلاقهم أشرف الأخلاق،
وأعمالهم أصلح الأعمال، فأسماؤهم أشرف الأسماء، فالتسمي بها شرف
للمسمي، ولو لَمْ يكن فيها من المصالح إلَّا أن الاسم يُذَكِّر بمسمّاه، ويقتضي
التعلق بمعناه، لكفى به مصلحةً، مع ما فيه من حفظ أسماء الأنبياء - عَلَيْهِمُ السَّلَامْ -
وذِكْرها، وأن لا تُنْسَي، فلا يكره التسمي بأسماء الأنبياء، بل يستحب، مع
المحافظة على الأدب، قال العلّامة ابن القيِّم: وهو الصواب، وكان مذهب
عمر كراهته، ثم رجع كما يأتي، وكان لطلحة عشرة أولاد، كلّ منهم اسمه
اسم نبيٍّ، وللزبير عشرة، كلّ منهم مسمى باسم شهيد، فقال له طلحة: أنا
أسميهم باسماء الأنبياء، وأنت بأسماء الشهداء، فقال: أنا أطمع في كونهم
شهداء، وأنت لا تطمع في كونهم أنبياء.
وإنما كان أحب الأسماء إلى الله تعالى عبد الله وعبد الرَّحمن؛ لأنَّ
التعلق الذي بين العبد وبين الله إنما هو العبودية المحضة، والتعلق الذي بين الله
وعبده بالرحمة المحضة، فبرحمته كان وجوده، وكمال وجوده، والغاية التي
أوجده لأجلها أن يتألهه وحده، محبةً، وخوفًا، ورجاءً، وإجلالًا، وتعظيمًا،
ولمّا غلبت رحمته غضبه، وكانت الرحمة أحب إليه من الغضب، كان
عبد الرَّحمن أحب إليه من عبد القاهر، وأصدقها حارث، وهمام؛ إذ لا ينفك
مسمّاهما عن حقيقة معناهما، وأقبحها حرب ومُرَّة؛ لِمَا في حرب من البشاعة،