القاسم، وأن آباءهم كنوهم بذلك، قال عياض: وبه قال جمهور السلف

والخلف، وفقهاء الأمصار.

وأما ما أخرجه أبو داود من حديث عائشة - رضي الله عنها -: "أن امرأة قالت: يا

رسول الله إني سميت ابني محمدًا، وكنيته أبا القاسم، فذُكر لي أنك تكره

ذلك، قال: ما الذي أحلّ اسمي، وحَرّم كنيتي؟ "، فقد ذكر الطبرانيّ في

"الأوسط" أن محمد بن عمران الحجبيّ تفرد به، عن صفية بنت شيبة، عنها،

ومحمد المذكور مجهول، وعلى تقدير أن يكون محفوظًا، فلا دلالة فيه على

الجواز مطلقًا؛ لاحتمال أن يكون قبل النهي.

وفي الجملة أعدل المذاهب المذهب المفَصِّل المحكيّ أخيرًا مع غرابته.

وقال الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة بعد أن أشار إلى ترجيح المذهب

الثالث من حيث الجواز: لكن الأَولى الأخذ بالمذهب الأول، فإنه أبرأ للذمة،

وأعظم للحرمة، والله أعلم. انتهى.

قال الجامع عفا الله عنه: عندي أن ما مال إليه الحافظ - رَحِمَهُ اللهَ - من التفصيل،

وهو أن النهي مخصوص بحياته - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وأما بعد وفاته، فيختصّ المنع بمن جمع

بين الاسم والكنية، وهذا أعدل الأقوال، لكن الأَولى والأحوط منه ما قاله

الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة: أن المنع مطلقًا أبرأ للذمّة.

والحاصل أنه لا يجوز التكنّي بعده - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بأبي القاسم لمن اسمه محمد،

ويجوز لغيره؛ لصحّة الحديث بذلك، فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "لا

تجمعوا بين اسمي وكنيتي"، صححه ابن حبّان، وفي لفظ: "أنه نهى أن يَجمَع

أحدٌ اسمه وكنيته"، وعن جابر - رضي الله عنه - مرفوعًا: "إذا كنيتم فلا تسمَّوا باسمي،

وإذا سمّيتم فلا تكنوا بكنيتي"، صححه ابن حبّان أيضًا.

لكن الأَولي، والألْيق ببراءة الذمّة تَرْكه مطلقًا، والله تعالى أعلم.

(المسألة الرابعة): يستحبّ التسمية بأسماء الأنبياء - عَلَيْهِمُ السَّلَامْ -، وفيه حديثان

صريحان، أحدهما: ما يأتي لمسلم من حديث المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه -، عن

النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إنهم كانوا يسمّون بأسماء أنبيائهم والصالحين قبلهم"،

وثانيهما: ما أخرجه أبو داود، والنسائيّ، والبخاريّ في "الأدب المفرد" من

حديث أبي وهب الْجُشَمِيّ - بضم الجيم، وفتح المعجمة - رفعه: "تَسَمُّوا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015