وقال النوويّ - رَحِمَهُ اللهُ -: اختُلِف في التكني بأبي القاسم على ثلاثة مذاهب:
[الأول]: المنع مطلقًا، سواءٌ كان اسمه محمدًا أم لا، ثبت ذلك عن
الشافعيّ.
[والثاني]: الجواز مطلقًا، ويختص النهي بحياته - رضي الله عنه -.
[والثالث]: لا يجوز لمن اسمه محمد، ويجوز لغيره، قال الرافعيّ: يشبه
أن يكون هذا هو الأصح؛ لأنَّ الناس لَمْ يزالوا يفعلونه في جميع الأعصار،
من غير إنكار، قال النوويّ - رَحِمَهُ اللهُ -: هذا مخالف لظاهر الحديث، وأما إطباق الناس
عليه، ففيه تقوية للمذهب الثاني، وكأن مستندهم ما وقع في حديث أنس - رضي الله عنه -
المشار إليه قبلُ أنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان في السوق، فسمع رجلًا يقول: يا أبا القاسم،
فالتفت إليه، فقال: لَمْ أَعْنِكَ، فقال: "سَمُّوا باسمي، ولا تكنوا بكنيتي"، قال:
ففهموا من النهي الاختصاص بحياته؛ للسبب المذكور، وقد زال بَعده - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
انتهى ملخصًا.
قال الحافظ: وهذا السبب ثابت في "الصحيح"، فما خرج صاحب القول
المذكور عن الظاهر إلَّا بدليل، ومما ننبّه عليه أن النوويّ أورد المذهب الثالث
مقلوبًا، فقال: يجوز لمن اسمه محمد دون غيره، وهذا لا يُعرف به قائل،
وإنما هو سبق قلم، وقد حَكَى المذاهب الثلاثة في "الأذكار" على الصواب،
وكذا هي في الرافعيّ.
ومما تعقبه السبكيّ عليه أنه رجّح مَنْع التكنية بأبي القاسم مطلقًا، ولمّا
ذَكَر الرافعيّ في خطبة "المنهاج" كناه، فقال: "الْمُحَرَّر" للإمام أبي القاسم
الرافعيّ، وكان يمكنه أن يقول: لمام الرافعيّ فقط، أو يسميه باسمه، ولا
يكنيه بالكنية التي يعتقد المصنّف - رَحِمَهُ اللهُ - مَنْعها.
وأجيب باحتمال أن يكون أشار بذلك إلى اختيار الرافعيّ الجواز، أو إلى
أنه مشتهِر بذلك، ومن شُهِر بشيء لَمْ يمتنع تعريفه به، ولو كان بغير هذا
القصد، فإنه لا يسوغ، والله أعلم.
وبالمذهب الأول قال الظاهرية، وبالغ بعضهم، فقال: لا يجوز لأحد أن
يُسَمِّي ابنه القاسم؛ لئلا يكنى أبا القاسم.
وحَكَى الطبريّ مذهبًا رابعًا، وهو المنع من التسمية بمحمد مطلقًا، وكذا