ذلك، ولو سُلِّم له استدلاله لم يَرِد عليه الإشكال الآتي ذِكره.

قال: وخَصّ بعضهم الوعيد الشديد بمن صوَّر قاصدًا أن يضاهي، فإنه

يصير بذلك القصد كافرًا، وأما من عداه فيَحْرُم عليه، ويأثم، لكن إثمه دون إثم

المضاهي، وهذا يؤيّد لفظ: "الذين يضاهون بخلق الله تعالى"، وأشد منه من

يصوِّر ما يُعبد من دون الله، وذكر القرطبيّ أن أهل الجاهلية كانوا يعملون

الأصنام من كل شيء، حتى إن بعضهم عَمِل صنمه من عَجْوة، ثم جاع فأكله.

انتهى ما في "الفتح" بتصرّف (?)، والله تعالى أعلم.

(المسالط الرابعة): قال في "الفتح": قد استُشكل كون المصوِّر أشدّ

الناس عذابًا مع قوله تعالى: {أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ}، فإنه يقتضي

أن يكون المصوّر أشد عذابًا من آل فرعون.

وأجاب الطبريّ بأن المراد هنا من يصوِّر ما يُعبد من دون الله، وهو

عارف بذلك، قاصدًا له، فإنه يكفر بذلك، فلا يبعد أن يدخل مدخل آل

فرعون، وأما من لا يقصد ذلك، فإنه يكون عاصيًا بتصويره فقط.

وأجاب غيره بأن الرواية بإثبات "مِنْ" ثابتة، وبحذفها محمولة عليها، وإذا

كان من يفعل التصوير من أشدّ الناس عذابًا كان مشتركًا مع غيره، وليس في

الآية ما يقتضي اختصاص آل فرعون باشد العذاب، بل هم في العذاب الأشد،

فكذلك غيرهم يجوز أن يكون في العذاب الأشدّ، وقَوَّى الطحاويّ ذلك بما

أخرجه من وجه آخر عن ابن مسعود، رفعه: "إن أشدّ الناس عذابًا يوم القيامة

رجل قَتَل نبيًّا، أو قتله نبيّ، وإمام ضلالة، وممثِّل من الممثِّلين"، وكذا أخرجه

أحمد.

وقد وقع بعض هذه الزيادة في رواية ابن أبي عمر، فاقتصر على

المصوّر، وعلى من قتله نبيّ.

وأخرج الطحاوفي أيضًا من حديث عائشة، مرفوعًا: "أشدّ الناس عذابًا

يوم القيامة رجل هجا رجلًا، فهجا القبيلة بأسرها"، قال الطحاويّ: فكل واحد

من هؤلاء يشترك مع الآخر في شدة العذاب.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015