جمهور الشافعية بالكراهة، وصرح الشيخ أبو نصر المقدسيّ منهم بالتحريم،

واحتَجّ بحديث عائشة -رضي الله عنها- هذا.

قال البيهقيّ رحمهُ اللهُ: هذه اللفظة تدلّ على كراهة ستر الجدار، وإن كان

في بعض ألفاظ الحديث أن المنع كان بسبب الصورة، وقال غيره: ليس

في السياق ما يدلّ على التحريم، وإنما فيه نفي الأمر لذلك، ونفي الأمر

لا يستلزم ثبوت النهي، لكن يمكن أن يُحتجّ بفعله -صلى الله عليه وسلم- في هتكه، وجاء

النهي عن ستر الجدر صريحًا، منها في حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- عند أبي

داود وغيره: "ولا تستروا الجُدُر بالثياب"، وفي إسناده ضعف، وله شاهد

مرسل عن عليّ بن الحسين، أخرجه ابن وهب، ثم البيهقيّ من طريقه،

وعند سعيد بن منصور، من حديث سلمان موقوفًا أنه أنكر ستر البيت،

وقال: أمحموم بيتكم؟ أو تحولت الكعبة عندكم؟ قال: لا أدخله حتى

يُهتك، وأخرج الحاكم، والبيهقيّ من حديث محمد بن كعب، عن عبد الله بن

يزيد الخطميّ، أنه رأى بيتًا مستورًا، فقعد، وبَكَى، وذكر حديثًا عن

النبيّ -صلى الله عليه وسلم- فيه: "كيف بكم إذا سترتم بيوتكم ... " الحديث، وأصله في

النسائيّ (?).

(قَالَتْ) عائشة -رضي الله عنها- (فَقَطَعْنَا) بتخفيف الطاء، (مِنْهُ)؛ أي: من ذلك الستر

(وِسَادَتَيْنِ) بكسر الواو؛ أي: مِخدّتين، (وَحَشَوْتُهُمَا)؛ أي: ملأت جوفهما

(لِيفًا) بكسر اللام؛ أي: لحاء شجر، (فَلَمْ يَعِبْ) بكسر العين المهملة، (ذَلِكَ)

الفعل (عَلَيَّ) فيه جواز اتّخاذ الوسادة، واستعمالها، والله تعالى أعلم.

وقال القرطبيّ رحمهُ اللهُ: قول عائشة -رضي الله عنها-: "فقطعنا منه وسادتين حشوتهما

ليفًا" يَحْتَمِل أن يكون هذا التقطيع أزال شكل تلك الصور، وأبطلها، فيزول

الموجب للمنع، ويَحْتَمِل أن تكون تلك الصور، أو بعضها باقيًا، لكنها لما

امْتُهِنت بالقعود عليها سامح فيها، وقد ذهب إلى كل احتمال منهما طائفة من

العلماء. والحقّ أن كل ذلك مُحْتَمِلٌ، وليس أحد الاحتمالين بأوَلى من الآخر،

ولا معيِّن لأحدهما، فلا حجَّة في الحديث على واحد منهما، وإنما الذي يفيده

طور بواسطة نورين ميديا © 2015