نَقَل بعض الرواة ما سَكَت عنه غيرهم، وعبَّر كل منهم بما تيسَّر له من العبارة
عن تلك القضية، ويجوز أن يَصْدُر مثل ذلك الاختلاف من راوٍ واحد في
أوقات مختلفة، ولا يُعد تناقضًا، فإنَّه إذا جُمِعت تلك الروايات كلها انتظمت،
وكملت الحكاية عن تلك القضية، وعلى هذا النحو وقع ذِكر اختلاف كلمات
القصص المتحدة في القرآن، فإنَّه تعالى يذكرها في موضع وجيزة، وفي آخر
مطوَّلة، ويأتي بالكلمات المختلفة الألفاظ مع اتفاقها على المعنى، فلا يُنْكَر
مثل هذا في الأحاديث. انتهى كلام القرطبيّ رحمهُ اللهُ (?)، وهو بحث مفيدٌ جدًّا،
والله تعالى أعلم.
(فَأَخَذْتُ نَمَطًا) -بفتحتين- قال النوويّ: المراد بالنمط هنا بساط لطيف
له خَمْلٌ، وفي "فتح الودود": ثوب من صُوف يُفرش، ويُجْعَل سِتْرًا، ويُطْرَح
على الْهَوْدج. انتهى (?).
وقال القرطبيّ رحمهُ اللهُ: وقولها: "فأخذت نمطًا، فسترته على الباب"، هذا
النمط هو الذي عبَّر عنه في الرواية الأخرى بـ "الدَّرنوك"، ويقال بضم الدَّال،
وفتحها، وهو: الستر الذي كان فيه تماثيل الخيل ذوات الأجنحة، و"الباب"
يراد به هنا باب السَّهْوة المذكورة في الرِّواية الأخرى، وهي بيت صغير يشبه
الْمَخْدَع، وقال الأصمعيّ: هي شبه الطاق، يجعل فيه الشيء، وقيل: شبه
الْخِزانة الصغيرة، وهذه الأقوال متقاربة. انتهى (?).
(فَسَتَرْتُهُ)؛ أي: جعلته ساترًا (عَلَى الْبَابِ)؛ أي: سترت به الباب، أو
جعلته سترًا على الباب، (فَلَمَّا قَدِمَ) بكسر الدال؛ أي: رجع -صلى الله عليه وسلم- من غزاته،
ووصل المدينة (فَرَأَى النَّمَطَ عَرَفْتُ الْكَرَاهِيَةَ فِي وَجْهِهِ) إنما عَرَفت الكراهيةَ في
وجهه؛ لأنَّه تلوَّن وجهه، ووَقَف، ولم يدخل، كما جاء في الطريق الآخر،
ولما رأت تلك الحال خافت، فقدَّمت في اعتذارها التوبة، ثمَّ سألت عن
الذنب، فإنَّها لم تعرفه، فعند ذلك جبذ النمط، فهتكه.