بمعروف، ولو كان معروفاً، فلا يبلغ في الصحّة إلى هذا الحديث، وأما

قولهم: إن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - لم يَخضِب، فليس بصحيح، بل قد صحّ عنه أنه خضب

بالحنّاء، وبالصفرة. انتهى (?).

ط ل الجامع عفا الله تعالى عنه: اختلفت الروايات في كونه - صلى الله عليه وسلم - خضب،

فثبت عن أنس - رضي الله عنه - أنه سُئل: أخضب النبيّ - صلى الله عليه وسلم -؟ فقال: لم يبلغ الشيب إلا

قليلاً، وفي رواية: "إنه لم يبلغ ما يَخضِب، لو شئت أن أعُدّ شمطاته في

لحيته"؛ أي: لعددتها. وثبت في حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - أنه - صلى الله عليه وسلم - خضب بالصفرة،

وفي حديث أم سلمة - رضي الله عنها - أنها أخرجت شعراً من شعر النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، مخضوباً.

والجمع بين هذه الروايات، أن يقال: إن من جزم بأنه - صلى الله عليه وسلم - خضب، كابن

عمر - رضي الله عنهما -، حَكَى ما شاهده، وكان ذلك في بعض الأحيان، ومن نفى؛

كأنس - رضي الله عنه -، فهو محمول على الأكثر الأغلب من حاله - صلى الله عليه وسلم -. وقد أخرج مسلم،

والترمذيّ، والنسائيّ من حديث جابر بن سمرة - رضي الله عنهما -، قال: ما كان في رأس

النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، ولحيته من الشيب إلا شعرات، كان إذا دهن واراهُنّ الدهن. قال

في "الفتح": فيَحْتَمِل أن يكون الذين أثبتوا الخضاب شاهدوا الشعر الأبيض،

ثم لَمّا واراه الدهن ظنّوا أنه خضبه. انتهى.

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: هذا الاحتمال بعيد؛ يُبعده ما رواه

النسائيّ عن ابن عمر - رضي الله عنهما -: (القد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصفّر بها - يعني:

الخلوق- لحيته ... " الحديث. فالصحيح من الجمع الاحتمال الأول. والله

تعالى أعلم.

وقوله: "وَاجْتَنِبُوا السَّوَادَ": قال القرطبيّ - رضي الله عنه -: أمرٌ باجتناب السواد،

وكرهه جماعة، منهم عليّ بن أبي طالب - رضي الله عنه -، ومالك، قال: وهو الظاهر من

هذا الحديث، وقد عُلّل ذلك بأنه من باب التدليس على النساء، وبأنه سواد في

الوجه، فيُكره لأنه تشبّه بسيما أهل النار. ثم ذكر حديث ابن عباس - رضي الله عنهما -

المذكور قبل هذا، ثم قال: غير أنه لم يُسمع أن أحداً من العلماء قال بتحريم

ذلك.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015