(ثُمَّ أُحرَى)؛ أي؛ ثمّ أمر - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بحلب شاة أخري، فحُلبت (فَشَرِبَهُ) كلِّه،
(ثُمَّ أخْرَي، فَشَرِبَهُ) كلّه (حَتَّى شَرِبَ حِلَابَ سَبْعِ شِيَاهٍ) بالكسر: جمع شاة، قال
الفيّوميّ - رَحِمَهُ اللهُ -: الشاة: من الغنم يقع على الذكر والأنثي، فيقال: هذا شاةٌ
للذكر، وهذه شاةٌ للأنثي، وشاةٌ ذَكَرٌ، وشاةٌ أنثي، وتصغيرها شُويهةٌ، والجمع
شاءٌ، وشِياهٌ بالهاء رجوعًا إلى الأصل، كما قيل: شَفَةٌ وشِفَاهٌ، ويقال: أصلها
شاهةٌ، مثلُ عاهة. انتهى (?).
(ثُمَّ إِنَّهُ أصْبَحَ) الرجل (فَأَسْلَمَ، فَأَمَرَ لَهُ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِشَاةٍ)؛ أي: بحلب
شاة، فحُلبت (فَشَرِبَ حِلَابَهَا، ثُمَّ أَمَرَ) بِ "حَلْب شاةٍ" (أُخْرَي، فَلَمْ يَسْتَتِمَّهَا)؛
أي: لَمْ يشرب كلّها، بل اكتفى ببعضها، (فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "المُؤْمِنُ يَشْرَبُ
فِي مِعًى وَاحِدٍ، وَالْكَافِرُ يَشْرَبُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ") قال البيهقيّ - رَحِمَهُ اللهُ - في "شُعَبه"
بعد أن ساق الحديث المذكور ما نصّه: وقد أشار أبو عبيد في معنى الحديث
إلى هذه الرواية المفسَّرة، فلم أر الْحَلِيميّ رضيه، فكأن الحليمي لَمْ يَحفظ هذه
الرواية، ثم قال في آخر كلامه: وإن كان إنما قاله حين وُصف له رجل بِعَيْنه،
فمعناه إذأ أن الذي يليق بالكافر أن يكثر أكله، وبالمؤمن أن يقلّ أكله؛ لأنَّ
الكافر لا يقصد إلَّا تسكين المجاعة، وقضاء الشهوة، والمؤمن يَدَع البعض؛
لأنه حرام، ويَدَع البعض إيثارًا به على نفسه، ويَدَع البعض لئلا يثقل، فتنقطع
العبادة، ويدع البعض لِفَرط ما فيه من النعمة خيفة ألا يستطيع القيام بشكره،
ويدع البعض رياضةً لنفسه، وقَمْعًا لشهوته، حتى لا يستقصى عليه، وَيدَع
البعض لئلا يعتاده، فإن لَمْ يجده في وقتٍ اشتَدّ عليه ذلك، أو وجد من ذلك
في نفسه، والكافر ليس به إلَّا مَلْء بطنه؛ لأنَّ هذه الوجوه كلها إنما تنبعث عن
النظر من قِبَل الإيمان والتقوي، فهو لا يترك لأجلهما شيئًا، وإنما أمامه شهوته
دون ما عداها.
والْمِعَى في هذا الحديث الْمَعِدة، ومعناه أنه يأكل الكافر أَكْل من له سبعة
أمعاء، والمؤمن لِخِفّة أكْله يأكل أَكْل من ليس له إلَّا معى واحد، والله أعلم.
قال: وقرأت في "كتاب الغريبين" قال: قال أبو عبيد: نرى ذلك بتسمية