المؤمن عند طعامه، فيكون فيه البركة، والكافر لا يفعل ذلك، وقيل: إنه خاصّ
لرجل، وقال غيره: وفيه وجه أحسن من ذلك كله، وهو أنه مَثَل ضربه النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
للمؤمن، وزهده في الدنيا، والكافر وحرصه عليها، ولهذا قيل: الرُّغْب (?)
شُؤم؛ لأنه يَحْمِل صاحبه على اقتحام النار، وليس معناه كثرة الأكل دون اتساع
الرغبة في الدنيا.
وذكر أبو سليمان هذه الوجوه، ثم قال: وقد قيل: إن الناس في الأكل
على طبقات: فطائفة يأكلون كلما وجدوا مطعومًا عن حاجة إليه، وعن غير
حاجة، وهذا فِعْل أهل الجهل، والغفلة الذين شاكلت طباعهم طباع البهائم،
وطائفة يأكلون إذا جاعوا، فإذا ارتفع الجوع أمسكوا، وهذه عادة المقتصدين
من الناس، والمتماسكين منهم في الشمائل والأخلاق، وطائفة يتجوّعون،
ويرتاضون الجوع قمعًا لشهوات النفوس، فلا يأكلون إلَّا عند الضرورة، ولا
يزيدون منه على ما يكسر غرب الجوع، وهذا من عادة الأبرار، وشمائل
الصالحين الأخيار. انتهى ما كتبه البيهقيّ - رَحِمَهُ اللهُ - في "شُعَب الإيمان" (?).
وقال الحاكم الترمذيّ في كتابه "نوادر الأصول في أحاديث الرسول":
"الأصل التاسع والخمسون" في معنى أمعاء الآدميّ لِمَ كانت سبعًا، فصارت
واحدة، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: "المؤمن يأكل في
مِعًى واحد، والكافر يأكل في سبعة أمعاء".
قال أبو عبد الله: الإنسان مبني على ممبعة: على الشرك، والشكّ،
والغفلة، والرغبة، والرهبة، والشهوة، والغضب، فهذه أخلاقه، وأيُّ خلق من
هذه الأخلاق استولى على قلبه نُسب إليه دون الآخر.
ومما يُحَقّق ذلك قوله تعالى: {وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ (43) لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ (44)} [الحجر: 43، 44]، فأهل النار مجزءون
مقسمون على هذه الأبواب السبعة، فكل جزء منهم صار جزءًا بِخُلُق من هذه
الأخلاق المستولية عليه.
ومما يحقق ذلك ما روي عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: