تعالى ذلك النكد بما أبداه من الكرامة، والبركة في ذلك الطعام، فعاد ذلك

النكد سرورًا، وانقلب الشيطان مدحورًا، وعند ذلك عاد أبو بكر - رضي الله عنه - إلى

مكارم الأخلاق، فأحنث نفسه، وأكل مع أضيافه، وطيَّب قلوبهم، وحصل

مقصودهم لقوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "من حلف على يمين فرأى غيرها خيرًا منها فليكفِّر عن

يمينه وليات الذي هو خير". انتهى (?).

(قَالَ) أبو بكر للأضياف (كُلُوا لَا هَنِيئًا)؛ أي: لا أكلتم هنيئًا، قال

النوويّ - رَحِمَهُ اللهُ -: إنما قاله لِمَا حَصَل له من الحرج، والغيظ بتركهم العَشاء بسببه،

وقيل: إنه ليس بدعاء، إنما أخبر؛ أي لَمْ تتهنأوا به في وقته. انتهى (?).

وقال في "الفتح": هو دعاء عليهم، وقيل: خبر؛ أي: لَمْ تتهيئوا في أول

نُضجه، ويسُتفاد من ذلك جواز الدعاء على من لَمْ يحصل منه الإنصاف، ولا

سيما عند الحرج والتغيظ، وذلك أنهم تَحَكَّموا على ربّ المنزل بالحضور

معهم، ولم يكتفوا بولده، مع إذنه لهم في ذلك، وكان الذي حملهم على ذلك

رغبتهم في التبرك بمؤاكلته، ويقال: إنه إنما خاطب بذلك أهله، لا الأضياف،

وقيل: لَمْ يُرِد الدعاء، وإنما أخبر أنهم فاتَهُم الهناء به؛ إذ لَمْ يأكلوه في وقته (?).

(وَقَالَ: وَاللهِ لَا أَطْعَمُهُ أَبَدًا) وفي رواية الجريريّ: "فقال: فإنما

انتظرتموني، والله لا أطعمه أبدًا، فقال الآخر: والله لا نطعمه"، هذا لفظ

البخاريّ، ولفظ مسلم: "فقال أبو بكر: فوالله لا أطعمه الليلة، قال: فقالوا:

فوالله لا نطعمه حتى تطعمه"، وفي رواية أبي داود: "فقال أبو بكر: فما

منعكم؟ قالوا: مكانك، قال: والله لا أطعمه أبدًا، قال: لَمْ أر في الشر

كالليلة، ويلكم، ما أنتم؟ لَمْ لا تقبلون عنا قِراكم، هات طعامك، فوُضع،

فقال: بسم الله، الأول من الشيطان، فأكل، وأكلوا".

قال ابن التين: لَمْ يخاطب أبو بكر - رضي الله عنه - أضيافه بذلك، إنما خاطب

أهله.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015