الذباب، وقيل: هو الأزرق منه، شَبّهه به تحقيرًا له. انتهى (?).

وفي رواية الجريريّ: "فقال: يا غنثر أقسمت عليك إن كنت تسمع صوتي

لَمّا جئت، قال: فخرجت، فقلت: والله ما لي ذنب، هؤلاء أضيافك، فَسَلْهُم،

قالوا: صدقك، قد أتانا".

(فَجَدَّعَ)؛ أي: دعا عليه بالْجَدْع، وهو قطع الأذن، أو الأنف، أو

الشَّفَة، وقيل: المراد به السبّ، والأول أصحّ، وفي رواية الجريريّ عند

البخاريّ: "فَجَزَّع" بالزاي بدل الدال؛ أي: نسبه إلى الْجَزَع - بفتحتين - وهو

الخوف، وقيل: المجازعة المخاصمة، فالمعنى خاصم.

قال القرطبيّ: ظنَّ أبو بكر أن عبد الرَّحمن فَرَّط في حقّ الأضياف، فلمّا

تبيّن له الحال أدّبهم بقوله: "كُلُوا لا هنيئًا".

(وَسَبَّ)؛ أي: شتم، وحذف المفعول للعلم به.

وقال القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: وقوله: "جدَّع"؛ أي: دعا عليه بالجدع، وهو قطع

الأنف، وقال أبو عمرو الشيبانيّ: معناه: سبَّ، يقال: جادعته مجادعة:

ساببته.

قال القرطبيّ: وهذا فيه بُعدٌ؛ لقوله: "جدَّع وسبَّ"، فلو كان كما قال

لكان تكرارًا لا فائدة له، والأول أصوب.

وكل ذلك أبرزه من أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - على عبد الرَّحمن ظنُّ أنه فرّط

في الأضياف، فلما تبيَّن له أنه لَمْ يكن منه تفريط، وأنَّه إنما كان ذلك امتناعًا

من الأضياف، أدَّبهم بقوله لهم: "لا هنيئًا"، وحلف لا يطعمه، وذلك أن

هؤلاء الأضياف تحكّموا على ربِّ المنزل بالحضور معهم، وقالوا: لا نأكل

حتى يحضر أبو منزلنا، فنكّدوا على أهل المنزل، ولا يلزم حضور ربِّ المنزل

مع الضيف إذا أحضر ما يحتاجون إليه، فقد يكون في مُهِمّ من أشغاله لا يمكنه

تركه، فهذا منهم جفاء، لكن حَمَلهم على ذلك صِدْق رغبتهم في التبرُّك

بمؤاكلته، وحضوره معهم، فأبوا حتى يجيء، وانتظروه، فجاء فصدر منه ذلك،

فتكدَّر الوقت، وتشوّش الحال عليهم أجمعين، وكانت نزغة شيطان، فأزال الله

طور بواسطة نورين ميديا © 2015