الكريهة، قال القرطبيّ -رحمه الله-: هذا يدلّ على كراهة أكل الثوم، وإن كان
مطبوخًا، وقد تقدم قول عمر - رضي الله عنه -: "فمن أَكَلهما فَلْيُمِتْهُما طبخًا"، وإنما كان
النبيّ - صلى الله عليه وسلم - يكرههما مطلقًا؛ لخصوصيته بمناجاة الملائكة، ولذلك قال في بعض
الحديث: "كُلْ، فإني أناجي من لا تناجي"، متّفقٌ عليه. انتهى (?).
(قَالَ) أبو أيوب (فَإِنِّي أَكرَهُ مَا تَكْرَهُ)؟ لأن مِن صِدْق المحبّة أن يُحب
المرء ما يُحبّه محبوبه، ويكره ما يكرهه، وقوله: (أَوْ) للشكّ من الراوي، هل
قال: ما تكره بصيغة المضارع، أو قال: (مَا كَرِهْتَ) بصيغة الماضي؟ (قَالَ)
الراوي أبو أيوب أو غيره (وَكَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُؤْتَى) بالبناء للمفعول، وهذا بيان
لسبب كراهة النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أَكْل الطعام الذي فيه الثوم، وذلك لأنه يأتيه المَلَك،
والثوم له رائحة كريهة، والملائكة تتأذّى منها.
وقال النوويّ -رحمه الله-: قوله: (وَكَانَ النَبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُؤْتَى) معناه: تأتيه الملائكة،
والوحيُ، كما جاء في الحديث الآخر: "إني أناجي من لا تناجي"، و"إن
الملائكة تتأذى مما يتاذى منه بنو آدم"، وكان - صلى الله عليه وسلم - يترك الثوم دائمًا؛ لأنه يتوقع
مجيء الملائكة والوحي كلَّ ساعة.
قال: واختَلَف أصحابنا في حكم الثوم في حقه - صلى الله عليه وسلم -، وكذلك البصل،
والْكُرّاث، ونحوها، فقال بعض أصحابنا: هي محرّمة عليه، والأصح عندهم
أنها مكروهة كراهة تنزيه، ليست محرّمة لعموم قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا" في جواب قوله:
"أحرام هو؟ " ومن قال بالأول يقول: معنى الحديث: ليس بحرام في حقكم،
والله أعلم. انتهى (?).
وقال القرطبيّ -رحمه الله-: وقوله: "كان يؤتى" قد فسَّره الراوي بقوله: يعني:
يأتيه الوحي، ومعناه: يؤتى بالوحي؛ أي: يجاء إليه به، والوحي: ما يبلّغه
النبيّ - صلى الله عليه وسلم - عن الله تعالى مما يبلّغه جبريل -عليه السلام-. انتهى (?).