يَعرف ربه، ورُوي عنه أنه قال: لا أشرب شيئًا يحول بيني وبين ذِكر عز وجل،
وإن تناول ذلك لغير حاجة التداوي، فقال أكثر أصحابنا، كالقاضي، وابن
عَقيل، وصاحب "المغني": إنه محرّم؛ لأنه سبب إلى إزالة العقل لغير حاجة،
فحَرُم كشرب المسكر، وروى حَنَش الرحبىّ، وفيه ضعف، عن عكرمة، عن
ابن عباس، مرفوعًا: "من شَرِب شرابًا يَذهب بعقله، فقد أتى بابًا من أبواب
الكبائر" (?).
وقالت طائفة منهم ابن عقيل في "فنونه": لا يحرم ذلك؛ لأنه لا لذّة فيه،
والخمر إنما حُرّمت لِمَا فيها من الشدّة المطربة، ولا إطراب في البنج ونحوه،
ولا شدّة، فعلى قول الأكثرين أَبُو تناول ذلك لغير حاجة، وسكر به، فطلّق،
فحُكم طلاقه حُكم طلاق السكران، قاله أكثر أصحابنا، كابن حامد،
والقاضي، وأصحاب الشافعىّ، وقالت الحنفية: لا يقع طلاقه، وعلّلوا بأنه
ليس فيه لذة، وهذا يدلّ على أنهم لم يحرّموه.
وقالت الشافعية: هو محرَّم، وفي وقوع الطلاق معه وجهان، وظاهر
كلام أحمد أنه لا يقع طلاقه، بخلاف السكران، وتأوله القاضي، وقال: إنما
قال ذلك إلزامًا للحنفية، لا اعتقادًا له، وسياق كلامه مُحْتَمِل لذلك.
وأما الحدّ فإنما يجب بتناول ما فيه شدّة وطرب من المسكرات؛ لأنه هو
الذي تدعو النفوس إليه، فجعل الحدّ زاجرًا عنه، فأما ما فيه سكر بغير طرب،
ولا لذّة فليس فيه سوى التعزير؛ لأنه ليس في النفوس داع إليه، حتى يحتاج
إلى حدّ مقدَّر زاجر عنه، فهو كأكل الميتة، ولحم الخنزير، وشرب الدم.
وأكثر العلماء الذين يرون تحريم قليل ما أسكر كثيره يرون حدّ من شرب
ما يُسكر كثيره، وإن اعتقد حلّه متأولًا، وهو قول الشافعيّ، وأحمد، خلافًا
لأبي ثور، فإنه قال: لا يُحَدّ؛ لتأوله، فهو كالناكح بلا وليّ، وفي حدّ الناكح
بلا وليّ خلاف أيضًا، ولكن الصحيح أنه لا يحدّ، وقد فُرِّق بينه وبين شرب
النبيذ متأولًا بأن شرب النبيذ المختلف فيه داعٍ إلى شرب الخمر المجمع على
تحريمه، بخلاف النكاح بغير ولىّ، فإنه مُغْنٍ عن الزنا المجمع على تحريمه،