كسر، وهكذا الحكم اليوم في أواني الخمر، وجميع ظروفه، سواء الفخّار،
والزجاج، والنحاس، والحديد، والخشب، والجلود، فكلها تطهر بالغسل، ولا
يجوز كسرها. انتهى (?).
وقال القرطبيّ رحمه الله: وفيه كسر أواني الخمر، وعليه تُخَرَّج إحدى
الروايتين عن مالك في كسرها؛ لِمَا داخلها من الخمر، ولعُسْر غسلها، وفي
الأخرى: إذا طُبخ فيها الماء، وغُسلت جاز استعمالها، وعلى هذا فإذا كانت
الأواني مضرَّاة بالخمر، لا يُنتفع بها لشيء من الأشياء؛ بل تُكسر على كل
حال، ولذلك شدَّد مالك في الزِّقاق، فإنَّ تَعَلُّق الرائحة بها عَسِير الانفكاك، بل
لاتنفك. انتهى (?).
قال الجامع عفا الله عنه: القول بوجوب الكسر محلّ نظر، فإنه -صلى الله عليه وسلم- ما
أوجب عليهم، وما أمرهم به، ولكنهم فعلوه بأنفسهم، وقد تقدّم أنهم لمّا أمر
النبيّ -صلى الله عليه وسلم- في القدور التي طبخوا بها لحم الغنيمة قبل القسمة بكسرها، قالوا
له: "أوْ نغسلها؛ "، فقال: "أوْ ذلك"، فأجاز غسلها، وهذه المسألة نظيرها،
فتأمل، والله تعالى أعلم.
9 - (ومنها): بيان أن الشراب الذي أهريق، بسبب تحريم الخمر، هو ما
كان من البسر والتمر، وغير ذلك.
10 - (ومنها): أن أحاديث الباب من أقوى الحجج على أن الخمر اسم
جنس لكل ما يُسكر، سواء كان من العنب، أو من نقيع الزبيب، أو التمر، أو
العسل، أو غيرهما، وأما دعوى بعضهم: أن الخمر حقيقة في ماء العنب،
مَجاز في غيره، فإن سُلِّم في اللغة، لزم من قال به جواز استعمال اللفظ
الواحد في حقيقته ومجازه، والكوفيون لا يقولون بذلك. انتهى.
وأما من حيث الشرع، فالخمر حقيقة في الجميع؛ لثبوت حديث: "كُلُّ
مسكر خمر"، فمن زعم بأنه جَمَع بين الحقيقة والمجاز في هذا اللفظ، لزم أن
يجيزه، وهذا ما لا انفكاك لهم عنه.