11 - (ومنها): أنه استُدِلّ به على أن شرب الخمر كان مباحًا، لا إلى
نهاية، ثم حُرّمت، وقيل: كان المباح الشرب، لا السكر المزيل للعقل، وحكاه
أبو نصر ابن القشيريّ في "تفسيره " عن القفّال، ونازعه فيه، وبالغ النوويّ في
"شرحه " هنا، فقال: ما يقوله بعض من لا تحصيل عنده: إن السكر لم يزل
محرمًا باطل، لا أصل له، وقد قال الله تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا
الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} الآية [النساء: 43]، فإن مقتضاه وجود
السكر، حتى يصل إلى الحدّ المذكور، ونهوا عن الصلاة في تلك الحالة، لا
في غيرها، فدل على أن ذلك كان واقعا، ويؤيده قصّة حمزة، والشارِفَين كما
بُيّن في الحديث الماضي، وعلى هذا، فهل كانت مباحة بالأصل، أو بالشرع،
ثم نُسخت؟ فيه قولان للعلماء: والراجح الأول.
12 - (ومنها): أنه استُدلّ به على أن المتَخَذ من غير العنب، يسمى
خمرًا.
13 - (ومنها): أنه استُدل به على أن السَّكَر المتخذ من غير العنب،
يحرم شرب قليله كما يحرم شرب القليل من المتخذ من العنب، إذا أسكر
كثيره، لأن الصحابة -رضي الله عنهم- فَهِموا من الأمر باجتناب الخمر تحريم ما يُتخذ
للسكر من جميع الأنواع، ولم يستفصلوا، وإلى ذلك ذهب جمهور العلماء من
الصحابة والتابعين، وخالف في ذلك الحنفية، ومن قال بقولهم من الكوفيين،
فقالوا: يحرم المتخذ من العنب، قليلًا كان أو كثيرًا، إلا إذا طُبخ على تفصيل
سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى، فإنه يَحِلُّ، وقد انعقد الإجماع على أن القليل
من الخمر، المتخذ من العنب يحرم قليله وكثيره، وعلى أن العلة في تحريم
قليله كونه يدعو إلى تناول كثيره، فيلزم ذلك من فرّق في الحكم بين المتخذ من
العنب وبين المتخذ من غيرها، فقال في المتخذ من العنب: يحرم القليل منه
والكثير، إلا إذا طُبخ كما سيأتي بيانه، وفي المتخذ من غيرها: لا يحرم منه
إلا القدر الذي يُسْكِر، وما دونه لا يحرم، ففرّقوا بينهما بدعوى المغايرة في
الاسم، مع اتحاد العلة فيهما، فإن كلّ ما قدِّر في المتخذ من العنب يقدَّر في
المتخذ من غيرها.
قال القرطبي رحمه الله: وهذا من أرفع أنواع القياس لمساواة الفرع فيه