وفي "مسند الطيالسيّ " من حديث ابن عمر نحوه، وقال: "في الآية

الأولى: قيل: حُرّمت الخمر، فقالوا: دعنا يا رسول الله ننتفع بها، وفي

الثانية: فقيل: حُرِّمت الخمر، فقالوا: لا، إنا لا نشربها قُرب الصلاة، وقال

في الثالثة: فقالوا: يا رسول الله حُرِّمت الخمر"، والله تعالى أعلم.

وقال القرطبيّ رحمه الله: قوله: "قال بعضهم: قُتِل فلان، قُتِل فلان، وهي في

بطونهم " هذا القول أصدره عن قائله إما غلبةُ خوف، وشفقة، وإما غفلة ٌعن

المعنى، وبيان ذلك أن الخمر كانت مباحة لهم، كما قد صحَّ أنهم كانوا

يشربونها، والنبيّ -صلى الله عليه وسلم- يُقرّهم عليها، وهو ظاهر قوله تعالى: {لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} الآية [النساء: 43]، ومَنْ فَعَل ما أُبيحَ له حتى مات على فعله لم

يكن له، ولا عليه شيء، لا إثم، ولا مؤاخذة، ولا ذمٌّ، ولا أجر، ولا مدح،

لأنَّ المباح مستوي الطرفين بالنسبة للشرع كما يُعرف في الأصول. وعلى هذا

فما ينبغي أن يُتخوَّف، ولا يُسأل عن حال من مات والخمر في بطنه وقت

إباحتها، فإمَّا أن يكون ذلك القائل غَفَلَ عن دليل الإباحة، فلم يخطر له، أو

يكون لغلبة خوفه من الله تعالى، وشَفَقته على إخوانه المؤمنين توهَّم مؤاخذةَ،

ومعاقبةً، لأجل شرب الخمر المتقدّم، فإنَّ الشفيقَ بسوءِ الظنِّ مولعٌ، فرفع الله

ذلك التوهُّم بقوله تعالى: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا

طَعِمُوا} [المائدة: 93]؛ أي: فيما شربوا، وهذا مثل قوله تعالى في نَهْر طالوت:

{فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي} [البقرة: 249]؛ أي: ومن لم

يشربه، وأصل هذا اللفظ في الأكل، يُقال: طَعِمَ الطَّعام، وشَرِب الشراب، لكن

قد تجوَّز في ذلك، وأحسن ما قيل في الآية: إن معنى قوله: {طَعِمُوا}: شربوا

الخمر قبل تحريمها، {إِذَا مَا اتَّقَوْا} شُرْبها بعده، {وَآمَنُوا} بتحريمها، {وَعَمِلُوا

الصَّالِحَاتِ}: التي تَصدُّ عنها، {ثُمَّ اتَّقَوْا} داوموا على اجتنابها، {وَآمَنُوا}:

بالوعيد عليها، {ثُمَّ اتَّقَوْا} سوء التأويل في تحريمها، {وَأَحْسَنُوا}، في اجتنابها

مراقبةً لله، وقيل: إنَّ تكرار الاتّقاء في مقابلة دواعي النفس، وتكرار الإيمان

تذكير بتحريمها، وتشديد الوعيد فيها، و"الْجُناح": الإثم، والمؤاخذة. انتهى

كلام القرطبيّ رحمه الله (?)، وهو بحث حسن جدّا، والله تعالى أعلم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015