[تنبيه]: قال في "الفتح " في رواية عبد العزيز بن صهيب: "أن رجلًا

أخبرهم أن الخمر حُرّمت، فقالوا: أَرِقْ يا أنس"، وفي رواية ثابت، عن أنس:

"أنهم سمعوا المنادي، فقال أبو طلحة: اخرج يا أنس، فانظر ما هذا

الصوت؟ "، وظاهرهما التعارض؛ لأن الأول يُشعر بأن المنادي بذلك شافههم،

والثاني يُشعر بأن الذي نقل لهم ذلك غير أنس، فنقل ابن التين عن الداوديّ أنه

قال: لا اختلاف بين الروايتين؛ لأن الآتي أخبر أنسًا، وأنس أخبر القوم،

وتعقبه ابن التين بأن نصّ الرواية الأولى أن الآتي أخبر القوم مشافهة بذلك.

قال الحافظ: فيمكن الجمع بوجه آخر، وهو أن المنادي غير الذي أخبرهم، أو

أن أنسًا لمّا أخبرهم عن المنادي جاء المنادي أيضًا في أثره، فشافههم.

انتهى (?)، وهو بحث حسنٌ مفيد، والله تعالى أعلم.

(قَالَ) أنس (فَجَرَتْ) الخمر المصبوبة (فِي سِكَكِ الْمَدِينَةِ)؛ أي: طُرُقها،

وهي بكسر السين، وفتح الكاف: جمع سِكّة، مثلُ سِدْرة وسِدَر، وهي الزُّقاق،

وهي أيضًا الطريق المصطفة من النخل، والسّكة أيضًا: حديدة منقوشة تُطبع

فيها الدراهم والدنانير، أفاده الفيّوقي (?)، والمناسب هنا المعنى الأول.

قال في "الفتح": وفيه إشارة إلى توارد من كانت عنده من المسلمين على

إراقتها حتى جرت في الأزقة من كثرتها، قال القرطبيّ: تمسّك بهذه الزيادة بعدُ

من قال: إن الخمر المتخذة من غير العنب ليست نجسةً؛ لأنه -صلى الله عليه وسلم- نَهَى عن

التخلي في الطرق، فلو كانت نجسة ما أقرّهم على إراقتها في الطرقات، حتى

تجري.

والجواب أن القصد بالإراقة كان لإشاعة تحريمها، فإذا اشتهر ذلك كان

أبلغ، فيُحْتَمَل أخف المفسدتين لحصول المصلحة العظيمة الحاصلة من

الاشتهار، ويَحْتَمِل أنها إنما أريقت في الطرق المنحدرة بحيث تنصب إلى

الأسربة، والحشوش، أو الأودية، فتُستهلك فيها، ويؤيّده ما أخرجه ابن مردويه

من حديث جابر بسند جيّد في قصة صبّ الخمر، قال: "فانصبّت حتى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015