واغْتَاظَ فلان من كذا، ولا يكون الغَيْظُ إلا بوصول مكروه إلى المُغْتَاظِ،
وقد يقام الغَيْظُ مقام الغضب في حقّ الإنسان، فيقال: اغْتَاظَ من لا شيء، كما
يقال: غَضِبَ من لا شيء، وكذا عكسه. انتهى (?).
(فَرَفَعَ حَمْزَةُ بَصَرَهُ) وفي الرواية التالية: "فطفق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يلوم حمزة
فيما فعل، فإذا حمزة مُحْمَرّة عيناه، فنظر حمزة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم صَعَّد
النظر إلى ركبتيه، ثم صَعّد النظر، فنظر إلى سرّته، ثم صَعّد النظر، فنظر إلى
وجهه، فقال حمزة: وهل أنتم إلا عبيد لأبي؟ "، (فَقَالَ) حمزة (هَلْ أَنْتُمْ إِلَّا
عَبِيدٌ لآبَائِي؟ ) وفي رواية: "إلا عبيد لأبي"، قيل: أراد أن أباه عبد المطلب جدّ
للنبيّ - صلى الله عليه وسلم -، ولِعَلِيّ أيضاً، والجدّ يُدْعَى سيّداً، وحاصله أن حمزة أراد الافتخار
عليهم بأنه أقرب إلى عبد المطلب منهم. (فَرَجَعَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُقَهْقِرُ)؛ أي:
يمشي القَهْقرى، وهو المشي إلى خلف، وكأنه - صلى الله عليه وسلم - فَعَلَ ذلك خشيةَ أن يزداد
عبث حمزة في حال سُكره، فينتقل من القول إلى الفعل، فأراد أن يكون ما يقع
من حمزة بمرأى منه؛ ليدفعه إن وقع منه شيء.
وقال النوويّ - رحمه الله -: قوله: "فرجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقهقر"، وفي الرواية
الأخرى: "فنكص على عقبيه القهقرى"، قال جمهور أهل اللغة وغيرهم:
القهقرى: الرجوع إلى وراء، ووَجْهه إليك، إذا ذهب عنك، وقال أبو عمر:
وهو الإخصار في الرجوع؛ أي: الإسراع، فعلى هذا معناه: خرج مسرعاً،
والأول هو المشهور المعروف، وإنما رجع القهقرى خوفاً من أن يبدو من
حمزة - رضي الله عنه - أمر يكرهه لو وَلّاه ظهره؛ لكونه مغلوباً بالسكر. انتهى (?).
(حَتَّى خَرَجَ عَنْهُمْ) وفي الرواية التالية: "فنكص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على عقبيه
القهقرى، وخرج وخرجنا معه"، قال في "الفتح": زاد ابن جريج: "وذلك قبل
تحريم الخمر"؛ أي: ولذلك لم يؤاخذ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - حمزة بقوله، وفي هذه الزيادة
رَدّ على من احتجّ بهذه القصة على أن طلاق السكران لا يقع، فإنه إذا عُرف أن
ذلك كان قبل تحريم الخمر كان ترك المؤاخذة؛ لكونه لم يُدْخِل على نفسه
الضررَ، والذي يقول: يقع طلاق السكران يحتجّ بأنه أدخل على نفسه السُّكْر،